فرصة مفقودة للإصلاح القضائي والرقمنة
يمكن أن تكون الحملة التي أطلقتها وزارة العدل فرصة لتحديث النهج القضائي في تونس تجاه محتوى وسائل التواصل الاجتماعي. بدلاً من ذلك، قد يؤدي المسار الذي تم اختياره إلى تعميق عدم الثقة بين المواطنين والحكومة. يمكن أن يكون إنشاء إطار رقمي يحترم الحريات على الإنترنت بينما يحافظ على المعايير الأخلاقية خطوة أكثر إنتاجية، كما هو الحال في دول مثل ألمانيا، التي أقرت قانون تنفيذ الشبكة (NetzDG). هذا القانون يتطلب من منصات التواصل الاجتماعي إزالة المحتوى غير القانوني ضمن فترة زمنية معينة، مع موازنة دقيقة لحقوق المستخدمين في حرية التعبير. يمكن لتونس، بالمثل، أن تستكشف كيفية تنفيذ تدابير وقائية ضد المحتوى الضار دون تجاوز الحدود إلى الرقابة.
دور وزارة تكنولوجيا المعلومات والاتصال
بدلاً من اتخاذ إجراءات عقابية، يمكن أن تتولى وزارة تكنولوجيا المعلومات والاتصال في تونس قيادة الجهود التعاونية مع شركات وسائل التواصل الاجتماعي. لقد أظهرت منصات مثل تيك توك استعدادها للتعاون مع الحكومات، وغالبًا ما تشارك في مناقشات حول تعديل المحتوى وتشجيع الاستخدام المسؤول. على سبيل المثال، خلال جائحة كوفيد-19، تعاونت تيك توك مع حكومات مختلفة لإعطاء الأولوية للمعلومات الصحية الدقيقة وتقليل انتشار المعلومات المضللة. يمكن أن تعزز شراكة مماثلة في تونس بيئة حيث تروّج المنصات الرقمية لمحتوى هادف، مما يعالج أي مخاوف من المصدر بدلاً من اللجوء إلى العقوبات الثقيلة.
فهم الطلب العام: وسائل التواصل الاجتماعي كمرآة للثقافة
أحد الجوانب المهمة لوسائل التواصل الاجتماعي هو أنها تعكس غالبًا اهتمامات وقيم واحتياجات المستخدمين. على سبيل المثال، تقوم خوارزمية تيك توك بتخصيص المحتوى وفقًا لما يشاهده المستخدمون في مناطق محددة، مما يمكن أن يكشف عن أنماط ثقافية. في تونس، تعد وسائل التواصل الاجتماعي واحدة من الأماكن القليلة حيث يمكن للشباب التعبير عن آرائهم وحسهم الفكاهي وإبداعهم بحرية. بدلاً من فرض الرقابة، يمكن للحكومة معالجة القضايا الأساسية في الخطاب العام، مثل الاستثمار في البرامج الثقافية والتعليمية التي تشجع الاستخدام المسؤول لوسائل التواصل الاجتماعي.
في عام 2018، أصدرت السلطات المصرية قانونًا يسمح لها بمراقبة حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي تضم أكثر من 5000 متابع، زاعمة أنه سيساعد في الحد من "الأخبار الكاذبة". ومع ذلك، تم انتقاد القانون بسبب مصطلحاته الغامضة، مما أدى إلى ارتباك الجمهور واحتجاجات بسبب تقليص حرية التعبير. قد تخاطر تونس برد فعل مشابه مع مصطلحات غير محددة مثل "السلوك غير الأخلاقي"، والتي يمكن أن تُطبق بشكل تعسفي.
التأثير الاقتصادي: دور وسائل التواصل الاجتماعي في التوظيف
تعد منصات وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا مهمة للاقتصاد. يوفر تيك توك مصدر دخل ثابت لأكثر من 30,000 وظيفة في تونس، ويضم أكثر من 1.2 مليون حساب نشط. لقد استغل صانعو المحتوى والمبدعون والشركات الصغيرة هذه المنصات للوصول إلى الجماهير المحلية والعالمية، مما يساهم في الاقتصاد ويتيح مجالات جديدة للصناعات الإبداعية. من الضروري أن تشارك المؤسسات العامة بشكل أكبر في إنتاج محتوى توعوي وإيجابي، بدلاً من دفع قطاع اقتصادي كبير إلى الهامش من خلال الرقابة.
واجهت دول مثل الولايات المتحدة أيضًا تحديات في موازنة الرقابة مع التأثير الاقتصادي. على سبيل المثال، عندما حظرت الهند تطبيق تيك توك في عام 2020 بسبب مخاوف تتعلق بالأمن، تأثر الملايين من المستخدمين وآلاف الأعمال، مما أدى إلى عواقب اقتصادية كبيرة، خاصة بالنسبة لأصحاب الأعمال الصغيرة وصانعي المحتوى.
تعليم الجمهور على الاستخدام المسؤول للإنترنت
بدلاً من الاعتماد على سياسات صارمة، يمكن لتونس أن تستفيد من برامج تعليمية توجه مواطنيها نحو الاستخدام الإيجابي للإنترنت. أطلقت الحكومة في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، برامج لمحو الأمية الرقمية لتثقيف الجمهور حول المسؤولية عبر الإنترنت دون فرض رقابة صارمة. قد تشجع الجهود لتعليم الناس كيفية إدارة وقتهم ومشاركتهم على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعّال ثقافة الاستخدام المسؤول للإنترنت، مما يقلل من الحاجة إلى تدخل حكومي.
في تونس، قد تؤدي الرقابة الأكثر صرامة إلى ردود فعل سلبية، مما يدفع الشباب إلى التمرد ضد هذه القيود، مما يعمق الفجوة بين الأجيال ويزيد من سوء الفهم. يمكن تحقيق تقارب بين الأجيال من خلال الحوار المفتوح والتعزيز الإيجابي بدلاً من الإجراءات العقابية.
حماية حرية التعبير، ركيزة الثورة
أخيرًا، كانت الثورة التونسية في عام 2011 قد نُظمت من أجل الكرامة والحرية والقيم الديمقراطية—وهي مبادئ يجب أن تظل قائمة. تعتبر حرية التعبير جزءًا أساسيًا من هذا، وأي قرار قد يؤثر عليها قد يثير رد فعل عام. سيكون من الأفضل للحكومة الاستماع إلى خبراء المجال والنظر في تأثير ذلك على حرية التعبير قبل اتخاذ إجراءات جذرية. لقد شهدت دول عديدة نقاشات حول تنظيم الكلام عبر الإنترنت، مما يبرز قيمة الشفافية وإجراءات التقاضي والتشاور مع المجتمع المدني.
في الختام، إن قرار تونس بملاحقة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يخاطر بتجاوز الحدود بين حماية الجمهور والانتهاك لحقوقهم. إن نهجًا بناءً يتضمن التعاون مع المنصات التكنولوجية، وبرامج تعليمية، وإصلاحات قضائية يمكن أن يحمي القيم التي يعتز بها شباب تونس دون المساس بالتقدم الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.