تونس : الصباح
لم يعرف المشهد السياسي التونسي، حركية مثل التي عرفها خلال العام المنقضي.. فقد شهدت سنة 2006 تطورات مهمة سواء على صعيد الخارطة الحزبية، أو على مستوى الحراك السياسي، أو من جهة الأوضاع صلب الأحزاب التي عقد بعضها مؤتمرات ويستعد البعض الآخر لفعاليات من هذا النوع خلال المدة القليلة القادمة.. فيما لم تحسم السنة السياسية الماضية ملفات كان يعتقد أن تسويتها ستتم بشكل سريع ..
مؤتمرات.. وخلافات ..
بداية العام المنقضي، عرفت انعقاد مؤتمر حزب الوحدة الشعبية، الذي اختار التجديد لأمينه العام السيد محمد بوشيحة الذي كان بحاجة إلى إتمام برنامجه في إعادة هيكلة الحزب وتطوير خطابه السياسي باتجاه تحويله إلى حزب يمثل قوة اقتراح في المشهد السياسي التونسي.. لكن الحزب عرف من ناحية أخرى، خلافا بين بعض أعضائه توج بعريضة نقدية لسياسة الأمين العام في الحزب، كان من نتيجتها طرد السيد مصطفى بوعواجة، عضو المكتب السياسي من حظيرة الحزب، وسط الإقرار من داخل الحزب بوجود سيطرة على الوضع التنظيمي والهيكلي تمنع أية تداعيات لعملية الطرد هذه على خلايا وهياكل الحزب في مستوى الجهات..
ولم تقتصر الخلافات على «الشعبية»، بل شملت الاتحاد الديموقراطي الوحدوي، الذي عرف أوسع عدد من الاستقالات من عضوية المجلس الوطني والمكتب السياسي، من قبل العشرات بينهم، مصطفى اليحياوي وعبد الملك العبيدي ومحمد الخلايفي، احتجاجا على بعض المسائل القانونية والإجرائية وحتى السياسية صلب الحزب، وخاصة ضمن مجلسه الوطني الذي سبق المؤتمر.. لكن ذلك لم يمنع قيادة الحزب من عقد المؤتمر، والخروج بتوافقات داخلية تنظيمية وسياسية، مكنت السيد أحمد الإينوبلي من تثبيت وضعه على رأس الأمانة العامة التي كان «استلمها» في ظروف صعبة إبان ابتعاد الأمين العام السابق للحزب، واستطاع الإينوبلي أن يسيطر على الوضع الداخلي للحزب، عبر إعادة تنظيمه والتخطيط له بحسب الأجندا التي اختارها المؤتمرون..
في نفس السياق أيضا، مر الحزب الاجتماعي التحرري بوضع أشبه بـ«الزلزال الداخلي»، حيث عقد مؤتمره في ظروف جد غامضة، وبطريقة طرحت الكثير من التساؤلات التنظيمية والسياسية، استبدل بموجبه في النهاية، قيادة مؤسسة كان يتزعمها السيد منير الباجي، بقيادة جديدة شابة يرأسها السيد منذر ثابت، وهي القيادة التي اختلفت مع الأمين العام السابق على امتداد السنوات الماضية، على خلفية تطوير الحزب هيكليا وسياسيا وفي مستوى خطابه ولآليات تحركه، لكنها لم تصل إلى نتائج توافقية معه، واضطرت تبعا لذلك، إلى عقد مؤتمر استثنائي بأتم معنى الكلمة وصعود قيادة جديدة
أول تأنيث لزعامة حزب ..
لكن السنة السياسية الماضية، عرفت حدثا بارزا على مستوى الأحزاب المعارضة، تمثل في قرار السيد نجيب الشابي الأمين العام للحزب الديموقراطي التقدمي، التنحي الطوعي عن الأمانة العامة للحزب، وأثمر هذا القرار، صعود السيدة مية الجريبي، كزعيمة جديدة للحزب، في إطار توافق سياسي داخلي على الرغم من الخلافات التي سبقت ذلك، والتي استطاع المؤتمر الوطني الرابع للحزب، أن يستوعبها ويحتضنها من دون أن تؤثر على مساره ووحدته التنظيمية.. وبذلك تكون مية الجريبي، أول امرأة ترأس حزبا معارضا في تاريخ البلاد، والثانية في الوطن العربي بعد لويزة حنون في الجزائر.. لكن صعود الجريبي، لم يمنع التساؤلات حول مستقبل الحزب الديموقراطي التقدمي، ومدى قدرة هذه المرأة النشيطة على تعويض الأمين العام السابق وما إذا كانت الخلافات التي تخللت المؤتمر حول خط الحزب وخطابه وعلاقته بالسلطة، ستبرز من جديد أم هي انتهت بانتهاء المؤتمر؟..
حزب جديد للبيئة..
على أن المشهد السياسي خلال العام المنقضي، عرف ولادة حزب جديد سمي بـ «حزب الخضر للتقدم».. فقد خرج السيد منجي الخماسي من الاجتماعي التحرري الذي كان عضوا في مكتبه السياسي لفترة طويلة، وأعلن بصورة فجئية عن إعلان تشكيل حزب جديد، هو الأول من نوعه الذي يعنى بالبيئة في البلاد، لتصبح تونس تتضمن حزبا بيئيا على الطريقة الأوروبية، وبذلك وصل عدد الأحزاب السياسية المعترف بها إلى تسعة أحزاب، معظمها ممثلة بمجلس النواب..
اللافت للنظر، أن هذا الحزب سرعان ما انخرط في المشهد السياسي، بل أصبح أكثر الأحزاب نشاطا وإصدارا للبيانات المعبرة عن موقفه ليس من القضايا البيئية، وانما من القضايا والمستجدات السياسية أيضا ..
ائتلاف حزبي .. .
وعرفت تونس خلال هذا العام 2006، الإعلان عن ائتلاف حزبي رباعي معارض، حمل اسم «اللقاء الديموقراطي» يتألف من حزب الوحدة الشعبية والاتحاد الديموقراطي الوحدوي والحزب الاجتماعي التحرري وحزب الخضر للتقدم.. وهو أول ائتلاف من نوعه في البلاد من أحزاب معترف بها، بعد أن فشلت محاولات سابقة في توحيد صفوف بعض الأحزاب سواء على خلفية الانتخابات أو من منطلق إيديولوجي صرف.. ويهدف هذا التحالف إلى تنسيق الأنشطة والمواقف السياسية والحزبية، لمواجهة ـ على الأرجح ـ تحالفات أخرى قائمة في البلاد بين بعض التيارات والأحزاب المختلفة، إلى جانب محاولة إخراج هذه الأحزاب الأربعة من حالة التهميش التي أصبحت تعاني منها جراء مواقفها التي توصف بـ«الموالية للحكومة» على حد تعبير بعض المراقبين.. ومن المؤكد أن هذا الرباعي، الذي أثارت نشأته الكثير من التساؤلات، سيستمر بشأنه الجدل على خلفية دوره المرتقب في المشهد السياسي..
مؤتمرات «مهنية»..
وعلى صعيد المجتمع المدني، لم يخل العام المنقضي، من أحداث مهمة في مقدمتها مؤتمر اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، الذي ثبّت القيادة السابقة في شخص السيد الهادي الجيلاني، لكنه تمخض لأول مرة عن خط معارض صلب المؤتمر أثر على أجوائه العامة، وقدم «بروفة» عن وجود مقاربات أخرى غير تلك التي تتداول صلب هذه المنظمة العتيدة منذ مدة..
في نفس السياق، عرف مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل، الاستمرارية في مستوى قيادته من خلال إعادة انتخاب السيد عبد السلام جراد، ومعظم أعضاء القيادة السابقة، لكن المؤتمر شهد كذلك العديد من الأحداث بينها، بروز مجموعة من الغاضبين الذين تعرضوا للمضايقات ومنعوا من دخول الفندق الذي جرى فيه المؤتمر بمدينة المنستير، فيما صعدت في قيادة المنظمة، أسماء ذات ثقل في الساحة النقابية يتوقع أن يكون لها دورها في اجتماعات القيادة النقابية وأجندتها ومواقفها خلال الفترة القادمة..
لكن المجتمع المدني، سجل من جهة ثانية، تطورا لافتا في ملف الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، على الأقل من جهة الحوارات التي دارت بين مختلف الفرقاء، والمبادرات التي أطلقت لإنهاء أزمة الرابطة، الأمر الذي اعتبره المراقبون بوادر أمل لتسوية نهائية لملف الرابطة، يتوقع أن يتم في غضون العام الجديد، وسط مقاربات تحرص على منع محاولات الهيمنة عليها مهما كان مأتاها ومصدرها، بالإضافة إلى تأسيس مجلس أعلى للحوار الوطني يضمن مصداقية الحوار ويكفل عدم حصول تراجعات في شأن المنظمة ..
في المقابل، عرفت جمعية القضاة التونسيين، تطورا باتجاه مؤتمر أثمر قيادة جديدة فيما تبدو عمادة المحامين أمام عام ساخن في ضوء التطورات التي عرفها القطاع خلال العام المنقضي، بسبب الاختلافات حول مسار الهيئة وواقع المهنة وتعديل قوانينها..
وفي ضوء هذه الأحداث والتطورات، تبدو المعارضة التونسية في موضع حركية غير معهودة طبعت أنشطتها بصورة مختلفة ومتباينة، لكنها عكست مشهدا مرشحا لمزيد من الفعالية في غضون العام الجديد .. .
صالح عطية
هناك تعليقان (2):
vous lisez encore ces chiffons?
Je n'ai pas lu le texte, mais j'ai regardé la source et le signataire. Et ça suffit pour avoir une idée sur le contenu. Donc sans lire, merci Monsieur Salah Atia pour ce que vous faites pour l'amélioration de notre presse. Vous devez en être fier. Continuez comme ça, et surtout ne changez pas. Restez ridicules comme vous êtes. Mais je comprends que vous n'avez pas le choix et vous fêtes ça pour gagner votre vie.
إرسال تعليق