الله أو الرب أو الثالوث القدس أو ياهوا، آلهة ذات جذور وثنيّة، تكون في لحظة وجها آخر للشيطان، لا وجود لها بدونه، و ليس صحيحا أنها مجرّد أسماء للإلاه الواحد الذي يعبده الجميع بديانات مختلفة.
فلا علاقة لله بياهوا إلاه اليهود الذي عقد عقدا مع إبراهيم وإصطفى نسله و أقطعه أرض الميعاد، فلم يكن من أولويّاته دعوة بقيّة الشعوب إلى التوحيد، بل إنّ اليهوديّة لا تكتسب إلاّ بصلة الدم، إنّها أقرب إلى الإثنيّة في أساطيرها المؤسّسة، و من زمن موسى ، لو فرضنا وجوده فعلا تاريخيّا ، لا نشاط تبشيري على الأقل معلن لليهود، موسى فقط أنقذ بني أسرائيل ، أي يعقوب ابن اسحاق إبن إبراهيم من حكم فرعون مصر، و لا يوجد دليل أثري واحد لملحمة المفروض أنها تاريخية و بحجم هجرة شعب كامل، بني إسرائيل و عبورهم البحر الأحمر، رغم أن قدامى المصريين لم يبخلوا في تأريخ حضارتهم الخالدة.
ياهوا أقرب لإلاه من زمن الوثنيّة و التعدد، حمى شعبه المختار، إنتصر على بقيّة الآلهة، و أهمل بقية الشعوب، ليست صدفة إذا أن يكون كلّ الأنبياء من بني إسرائيل، إلاّ قلّة مختلف حولها من العربـ، من أبناء أسماعيل، من نعرفهم منهم اليوم شعيب و محمد.
المسيح كان ربّيّا يهوديّا، لكنّه كان مخالفا للشريعة، لا يحترم السبت و يدافع عن العاهرات و يقول أنه أوحي إليه بتعاليم جديدة. حين كثر أتباعه و مريدوه قتله اليهود و الروم. و لا علاقة للمسيح الذي نعرفه اليوم بالرجل الذي عاش منذ ألفي سنة في فلسطين و قتل و طورد أصحابه، لا يوجد دليل أثري واحد أنه صلب أو أنه إدّعى أنه ابن الله ، فعبارة ابن الله عبارة كانت تطلق على كل عباده الصالحين، و كل القياصرة و الملوك كانوا ابناء آلهة أو أنصاف آلهة ، كالإسكندر مثلا أو فراعنة مصر. لكن توجد أدلّة تاريخيّة أنّ الأناجيل الأربعة كتبت بعد موته بفترة امتدت من 30 سنة إلى 100 سنة، و أنها متناقضة و الأهم لم تكن وحيدة، كانت هنالك أناجيل كثيرة تم القضاء عليها بمخالفتها الدوغم الرسمي الذي اتخذته الكنيسة و فرضته بالحديد و النار، ومخطوطات نجع حمّادي و إنجيل طوما المحفوظ في المتحف القبطي في مصر يحملون حقائق مغايرة تماما للعقيدة الرسميّة المسيحيّة اليوم.
الصليب، الإبن المولود لأم عذراء، عودة الميّت حيّا بعد موته، كلّها جذور وثنيّة أوروبيّة، بايان، و الفاتيكان نفسه مبني فوق معبد وثني باياني لديانة تحتفل بعيد ميلاد إلاهها يوم الخامس و العشرين من ديسمبر، و الفرق المسيحيّة في بداياتها كانت جد مختلفة فيما بينها، فالنّصارى ، أي أتباع عيسى من اليهود كانوا يرفضون في أغلبهم تنصير غير اليهود كإستمرار لخلط الدين بالقوميّة، و فرق منهم سيتعرّف محمّد على رهبانها في ما بعد ترفض ألوهيّة المسيح بل تعتبر الصليب وثنا، بينما أعطى بولس، بعدا كزموبليتاني للمسيحيّة، و جعل الختان غير إجباري في قطيعة مع عهد ياهوا مع إبراهيم ، أي أرض كنعان مقابل ختن الذكور من الأبناء و العبيد. هنا تحديدا بدأ البعد الكوني للرب، إلاها للعالمين، بشارة بالمخلّص، و المخلّص هو المسيح بالأرامية و هي لغة ياشوا أو يشوع، لكي تنتشر كان لا بد أن تحتضن المعتقدات الوثنيّة الأوروبيّة تحديدا أي أرض بولس و أرض انتشارها.
ولد محمّد في الزمن المناسب و المكان المناسب و الأصل الإثني المناسب لدين جديد. كانت الجزيرة موحّدة، تتعايش فيها ديانات توحيديّة هي الدين الحنيف و الدين الصّابئي، نسبة لصابي إبن آدم ، و كانت العرب تحج للكعبة بنفس طقوس اليوم ، و هنا أيضا كان لا بد من استيعاب هذه الجذور الوثنيّة، و للصابئة خمس صلوات يومية، ثلاثة بالنهار و اثنان بالليل، تماما كما اليوم ، و تنصّرت قبائل عربية كثيرة و أرتفع شأنها ، فورقة ابن نوفل ابن عمّ خديجة كان قسّا مسيحيّا و هو من عقد زواج محمد عليها زواجا مسيحيا لا يحل فيه طلاق و لذلك لم يطلّقها محمّد و لم يتزوّج عليها إلى أن ماتت. و تعرّف محمّد على بحيرى الراهب النسطوري و النساطرة لا تقول بصلب المسيح و سنجد تأثير ذلك في القرآن لاحقا. و ما صلب لكن شبّه لهم.
حتّى المشركين من أهل مكّة أنّما كانوا موحّدين، يتّخذون الأرباب زلفا و شفعاء لله الذي في السماء، و كلمة الله نفسها نطق عدناني قحطاني لأيل ـ الإلاه السومري، إيل ، إلاه ، الله . أمّا بقيّة الآرباب فآلهة وافدة من خارج الجزيرة ، كاللات و هي نفسها أوزيريس المصرية، و تحفل بطون كتب التاريخ بأدلّة التوحيد تلك.
جاء محمد بدين ذو بعد كوزموبوليتاني مستخلصا العبرة من تطوّر الأديان السابقة ، و حافظ على كثير من جذورها الوثنيّة، و حين دخل مكّة حطّم كلّ الأوثان التي في الكعبة و حولها، لكتّه تركا وثنا واحدا : الله. لكنّه مثّل ردّة لإنفتاح بولس و تسامح المسيحيّة أصلا بحكم تعاليم المسيح المخالفة للشريعة، فكان الإسلام وليدا من رحم اليهودية التلموديّة الحاخاميّة، أي اليهوديّة البدوية المعادية التحضّر بطبيعتها.
و كما حدث مع عيسى، كتبت السّير بعد وفاته و أضيفت إليها كلّ المعتقدات الوثنيّة التي لازالت جذورها لليوم تدرّس في مدارسنا الحكومية، ففي المعاهد الأزهريّة يدرس طلبة السنة الثالثة أن الأرض تقف على قرن ثور، و في السعودية لليوم تدرس فتوى إبن باز أن الأرض لا تدور، و كلّها تستمد شرعيّتها من كتب الحديث التي كتبت بعد موت محمّد بمئات السنين. أمّا القرآن الذي نعرفه اليوم فقد وصلنا بنفس طريقة الأناجيل الاربعة، بمعنى تم أختيار نسخة ما ، و فرضها بالقوّة و إحراق غيرها.
هذه النصوص التي وصتنا و المقدسة بحد السيف، بقتل كلّ من تجرّأ و فكّر فيها، بمنطق أنت مسلم إرتد فأما أن تتوب أو أن أدقّ عنقك، هذه النصوص هي نفسها مصدر الإرهاب ، و القتل و الحرب عبر العصور، لم يسلم كثيرون من بطش الكنيسة من المسيحيين أنفسهم، و تمت إبادة المعرفيّين في أوروبا في حروب صليبيّة لعدم إعترافهم بالنصوص التي اختارها الفاتيكان ، و لإيمانهم بعدم وجود واسطة بين العبد و ربّه. و أمّا دماء المسلمين المراقة بيد المسلمين أنفسهم فلم تتوقف من موقعة الجمل و قبله إلى اليوم في العراق و في أي مكان يصله فكر تقديس النصوص و تعطيل العقل.
حين يموت أحدهم قتلا أو تنحر إمرأة عزلاء و تصور بالهاتف النقّال و تنشر صورها، تعتقد أنه الشيطان ، لكن الفاعل يقول لك هو الله ، و كلاكما على صوابـ، الله هو نفسه الشيطان و هو نفسه إنعكاس كمون رغباتنا في أعماقنا، الخير المطلق، الكمال، في مقابل الشر المطلق، و لا معنى لهذا في غياب ذاك.
ملخّص لفصل
الجذور الوثنيّة للديانات التوحيديّة
الله الشرقي لعماد حبيب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق