لمن لازال يعتقد أن طريق الخلاص يمكن أن يكون قصيرا و لا يمر حتما بتغيير عقلية و ثقافة الأمة ـ التونسية لو سمحتم لي أن أسميها أمة ، أو قس على ذلك أمة الأعراب أو أمة الإسلام ـ , لمن يعتقد أن تغييرا قريبا يمكن أن يقع أقول: فكر قليلا في ما حدث و في تداعياته و ردود أفعال من يعدون نخبا لتدرك أن الخلل ليس سوى ثقافة القوة و الإستبداد و العنف التي تسري في دمائنا و نقدسها و نسميها عروبة و إسلاما، هوية هي هدف في حد ذاته و ليست وسيلة
نحن نحب القوة، و نعشق القائد القوي ، و لا نريد أن نرى فيه إلا ضرورة لأجل أمجاد العروبة أو الإسلام ، تغذينا و لازلنا من ثدي نظرية المؤامرة، و نؤمن كما أن الله حق، أن الاخر يكرهنا و يستغلنا و يتآمر علينا و أن من ينقذنا و يعيد أمجادنا هو فقط الزعيم الضرورة، لذلك حولنا صدام حسين الذي كان يقتل ساعة غضب من شك بأمره أو وشى به أحدهم، دون محاكمة، دون دفاع، بل دون إتهام، ثم حين يزول غضبه و يتبين أنه ظلمه، يطلق عليه شهيد الغضب ، صدام الذي فر من أم المعارك و أسر كفأر في حفرة و لم يقاتل حتى الموت كما ولداه، حولناه لبطل و شهيد الأمة، فقط لأنه قال لا لأمريكا , لا يهم الاف المواطنين الذين قتلهم أو عذبهم أو شردهم و لا ملايين القتلى في حروبه العبثية، فنحن لا تهمنا المواطنة و لا نعرفها و ليست من ثقافتنا، نحن نحب الحجاج ابن يوسف الثقفي لأن عصره كان عصر الفتوحات و إنتشار الإسلام و لا يهم الرؤوس التي أينعت و حان قطافها
و هذا ليس مجرد تاريخ أو واقع عراقي بعيد بل هو في صلب ما حدث بتونس
لذلك لم أستغرب تعاطف بعضهم و محاولة تبريره لما حدث، ليس فهمه و تحديد أسبابه، بل تبريره و الرقص طربا و شمتاتة لأن ثغرة أمنية ما وجدت و تسللت منها عناصر ما لتغزوا غزوة أخرى لحساب القاعدة أو غيرها، و رغم فشل الغزوة الذريع، و رغم أن درجة الإحتمال الصفر لحدوث أعمال إرهابية لا توجد علميا و لا في أكبر الدول و أقواها و أعرقها ديمقراطيا، برغم كل ذلك لم يتمالك البعض نفسه من إبداء شماتته متناسيا أن الدم الذي سال هو دم تونسي من الطرفينهل هي صدفة أن يتزامن حديث المرزوقي عن مؤامرة ضد الإسلام و الشابي الذي كاد يجعل من صدام إلاها مع ما حدث.
فالرجلان من أقطاب المعارضة اللائكية، لكن يبدوا أن تقدمهما في العمر دون أمل في الوصول للسلطة يوما أيقض موروثهما الحضاري، فاللائكية و الحرية و حقوق الإنسان لم تعد تطعم خبزا، و الشعب الغارق حد أذنيه في براثن نظرية المؤامرة و الفكر الديني و مناحات الجزيرة لموت الزرقاوي و دروس القرضاوي و الدعاة الجدد و مناحات الإخوانجية عن الحجاب و نصرة الإسلام في تونس، كل ذلك جعلهما يكونان أكثر واقعية و أكثر تسرعا و إلى الجحيم أيها البديل الديمقراطي، هذا زمن القوة هل هو شيئ مستغرب أن يحمل أحدهم السلاح، سواء كان قادما من أفغانستان أو من الجزائر أو حتى رجل أمن أو جندي في الخدمة، و نحن ننام و نصحوا على فقه الإرهاب و نواح السلفيين و أبشع التهم التي تكال لتونس لا لشيئ إلا لأنها واحة حضارة و تسامح في صحراء التخل
ف. القبضة الأمنية في تونس حقيقة، و لكن الذي حمل السلاح لم يكن هدفه سوى تسلم تلك القبضة و مزيد إحكامها باسم الدين هذه المرة و ما فعله قد يجعل هذه القبضة ضرورية و شرعية. و تدني مستوى الحريات في تونس حقيقة أيضا و لكن الذي حمل السلاح لا تهمه الحرية لا من قريب و لا من بعيد، و لا مشاغل الناس و لا نسب البطالة و الفقر و الإقصاء، هدفه شيئ آخر إسمه نصرة الإسلام و إقامة شرع الله. شرع الله هذا و الذي لا يملك مخلوق حق مناقشته ليس سوى مشروع إستبداد ديني رهيب ، لمن نسي أن أبناء النهضة هم من وضع القنابل في النزل وأعتدى بماء الفرق و عطل الدراسة بالقوة و العنف في الجامعات، لمن نسي أسس فكرهم الديني الغارق في فقه الولاء و البراء التكفيري و غره لمعان شعارات حقوق الإنسان و لم يفهم أن حقوق الإنسان التي أسلموها و أخضعوها لأحكام الشرع هي غير حقوق كل البشر،لهؤلاء من نخبنا و الذين تحالفوا باسم حق كل تيار في التعبير عن نفسه أسأل و مذا عن الإرهاب ؟ و مذا عن العنف المسلح و من ينظر له ليل نهار و من يبره و من خانته حكمته فشمت و فرح قبل الأوان ؟
مذا عن تيار لا يؤمن لا بحرية و لا ديمقراطية و لا حقوق إنسان و هدفه إقامة نظام ديني و لو بالقوة و جميعنا يرى إلى أين يمكن أن يحملنا ذلك التيار و أبناؤه و هم قطعا تونسيون مثلنا، هل يستحق أي مكسب سياسي خطر التحالف معهم أو تحميل النظام وحده مسؤولية ما حدث؟
وأخيرا أسأل، ألا تدرك هذه المعارضة بمواقفها أنها تدعم ثنائية القطب، المر و الأمر، النظام أو الإخوانجية من حيث تعلم أو من حيث لا تعلم ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق