الأحد، جانفي 14، 2007

حكاية الدجاجة التي تبيض ذهبا

عامر بوعزة

يُحكى أن رجلا فقيرا معوزا منّ عليه اللهُ بدجاجة تبيض ذهبا فتغيّرت أحواله من بؤس وشقاء إلى نعيم ورخاء ,ولكنّ هذا الرجل الذي خرج من حال إلى حال بفضل تلك البيضات التي تدرّها عليه دجاجته العجيبة كل يوم خامرته الوساوس والظنون وحمله الجشع على التفكير في مستقبل نعمته تلك وتساءل في سرّه عمّا يمكن أن يؤول إليه أمره إذا ما هربت من بيته هذه الدجاجة المعطاء وأوحى له خياله الفقير أن يبقر الدجاجة حتى يأخذ ما في بطنها دفعة واحدة بدل أن يظل منتظرا صبيحة كل يوم للحصول على خيراتها
بقية هذه الحكاية التي نحكيها لأطفالنا الصغار معروفةٌ ، فقد خسر الرجل دجاجته السحرية وأغلق بيديه الآثمتين أبواب النعيم ونذر نفسه للشقاء الدائم والندم
وقد ذهبت هذه الحكاية مثلا في الجشع والرغبة في التهام الدنيا والإتيان في طرفة عين على أخضرها و يابسها كما تضرب مثلا على سوء النية والتنكر لذوي الفضل وعادة ما يشفع الرواة حكايتهم هذه بمقولة القناعة كنز لا يفنى
لكن نادرا ما يُـنتبه إلى أن في تضاعيف هذه الحكاية البسيطة عبرًا أعمقَ ومواعظ أهمَّ ، أفلم يكن الرجل الفقيرُ ضحيةَ جهلهِ قبل جشعه وأميته قبل طمعه ، فلم يفكّر لحظةً في أن بطن هذه الدجاجة استطاع بقوة سحرية ما أن ينتج بيضا ذهبًا ،ولكن لا قوّة المنطق ولا قوّة الأساطير بقادرتين على جعله يحضن كنزا بحاله ، ولم يدر في خلد هذا الرجل المحظوظ أن الدجاجة التي ترزقه في كل يوم بيضةً ذهبا صارت في نهاية الحكاية ضحيةَ جهله وعدمِ قدرته على تبيّن منطق الطبيعة والأشياء قبل أن تكون ضحيةَ حبّه المفرط للمال
وإذا ما دققنا النظر في الدواعي التي جعلت الجهل يزيّن لهذا الرجل أمرَ الإجهاز على الدّجاجة والاستحواذ على كنزها دفعة واحدة لوجدنا ذلك الخوف المقيم في أعماق أعماقه والذي يُـنبئُـه أن الدجاجة يمكن تفلت من بين يديه وتقع بين يدي الآخرين كما وقعت بين يديه هو إذ ليس ثمّة ما يُـقنعه أن هذه الدجاجةَ هي من نصيبه هو لأنه أحقُّ بها من الآخرين وهو يدرك أن الصدفة التي قادتها إليه يمكن أن تقودها إلى غيره ولذلك فإنه ولا شك قد تصرّف بمنطق لا يفهمه سوى أمثاله ، فلنفترض أنه فكّر لحظةَ ذبحِ الدجاجة أنه قد يقضي نهائيا على مصدر نعمته وهو ما حدث فعلا وأنه مهما بلغ به الجهل يدرك لا محالة أن ما قَـرّره يمثل مخاطرةً إما أن يخسر إثرها كل شيء وإما أن يفوز بكل شيء فقد اطمأن في قرارة نفسه إلى أنه في حال موت الدجاجة السحرية دون العثور على كنزها يكون قد فوّت نهائيا على الآخرين إمكان العثور عليها بعد أن غنم منها ما أخرجه من حال الفقر والبؤس والشقاء.. وهكذا يتبدّى لنا أن هذا الرجل الجاهل بمنطق الطبيعة والأشياء هو على قَـدْرٍ من الخبث والدهاء فماذا يمكن أن ينتج عن لقاء الجهل المدقع بالخبث والدهاء ؟
لقد قال نزار قباني : إن السياسة وحدها مستنقع ماذا إذا التقت السياسة والبغاءُ ؟
وأنا كلما تذكرت هذه الحكاية المحشوةَ وعظا جال في خاطري حالُ هؤلاء الذين نَـسمعُ عن حكاياتهم مع المال والوجاهة والنفوذ ونرى يُخوتَهم العائمةَ في مياه أوجاعنا ومشاريعَهم الاستثمارية الفارهةَ التي تعمّق جراحَ العولمة وتغرس سكاكينها النفاذةَ في لحومنا الطرية ، هؤلاء الذين نراهم ولا نراهم ، نحسّ بهم من حولنا وهم يُهشمون مرايا أرواحنا و يسيرون على ما تبقّى من أحاسيسنا بأقدام عسكرية صارمة وخطى مهرولة
إنها حكايةٌ لا تخرج من تجاويف الأسطورة وإنما تولدُ من رحم التاريخ وهي لقاء المعنى بالمعنى وزواج الحقيقة بالمجاز .. فهناك في منطقة ما من الدلالة تتراجع كل الصور وتَكُفّ عن أن تكون موحية بالحكمة والموعظة إذ تـنوءُ براءةُ الطفولةِ بأوجاع الواقع ومخاوف المستقبل وتنتهي صورة الخرافة عند السكين يقطر دما عسى أن يحلم الأطفال في نومتهم بغدٍ أجمل وصباح نديّ

ليست هناك تعليقات: