الاثنين، فيفري 12، 2007

حكم آخر بالإعدام في تونس مثير للجدل

عادل القادري: http://adelkadri.maktoobblog.com/




للقضاء سلطة ندعو دائما إلى استقلاليتها كضمانة من الضمانات الأساسية لدولة القانون والمؤسسات، غير أن هذا لا يعني أن الشعب الذي تصدر باسمه القوانين غير معني بمتابعة وتقييم الأحكام القضائية الموكول إلى السادة القضاة إصدارها على ضوء تلك القوانين بكل نزاهة وتجرد مع التزام روح العدالة والإنصاف والاجتهاد.

وإن في ذلك بلا شك مسؤولية خطيرة يتحملها القضاة يمكن أن تصل في بعض الحالات إلى الإمساك بقرار الحياة أو الموت في حق الأشخاص المتهمين.

وفي الوقت الذي تتصاعد الأصوات الحقوقية والسياسية المنادية بإلغاء عقوبة الإعدام في العالم ، تتواصل في تونس إلى اليوم إصدار الأحكام القضائية بالإعدام على أساس التزام القضاء بالتشريع الجاري به العمل عندنا أي المجلة الجزائية التي ما زالت عقوبة الإعدام تتصدر بها قائمة العقوبات الأصلية ( الفصل 5 ). ولا تثريب في هذا على القضاة ما داموا يطبقون النصوص القانونية الرادعة المدعويين لتطبيقها وعلى رأسها الفصل 201 فيما يتعلق بالقتل المتعمد مع سابقية القصد .

ورغم ذلك، ما زالت بعض الأحكام القاضية بالإعدام في تونس تبدو لنا قاسية حتى بمعايير إطارنا القانوني الحالي المشرع لعقوبة الموت والذي ترك للقاضي إمكانية الاجتهاد في البحث عن ظروف التخفيف.

ومن ذلك الحكم الذي قضت به مؤخرا الدائرة الجنائية للمحكمة الابتدائية بالمنستير على شاب وزوجته في قضية قتل طفل بمدينة جمال. حيث تقول الرواية الصحفية المنقولة (وهي لا تعادل بالتأكيد الملف القضائي) أن الأم كانت متفقة على التخلص من الرضيع مع زوجها المرتاب بنسبة الطفل الذي ولد بعد ثلاثة أشهر فقط من عقد القران، خوفا منها بل منهما على مصير علاقة زوجية ناشئة مبنية على أساس من الشك. وقد تولى الزوج عملية خنق الرضيع ذي الشهر الواحد ثم إلقائه في بئر. وقد اعترف الزوجان بجريمتهما التي ظلت مجهولة الفاعل طيلة أشهر. وقضت المحكمة بإعدام المتهم شنقا وسجن زوجته لمدة عشرين سنة.

الجريمة خطيرة بطبيعة الحال لأنها تتعلق بقتل نفس بشرية بريئة لا ذنب لها ولا قدرة على الدفاع عن نفسها أو الهروب من مصيرها ، وللوهلة الأولى يمكن القول إن القاضي في هذه القضية قد طبق القانون التونسي بصرامة على المتهم الأول في القضية وهو الزوج الذي ربما يكون الأب ، دون مراعاة أي سبب أو ظرف لتخفيف العقوبة مثلما تشير إليه الفقرة الأولى من الفصل 53 من مجلتنا الجزائية التي تنص على أنه ( إذا اقتضت ظروف الفعل الواقع لأجله التتبع ظهور ما يحمل على تخفيف العقاب وكان القانون غير مانع من ذلك فللمحكمة مع بيان تلك الظروف بحكمها أن تحط العقاب إلى ما دون أدناه القانوني بالنزول به درجة أو درجتين في سلم العقوبات الأصلية الواردة بالفصل 5 من هذه المجلة) أي السجن بقية العمر أو السجن لمدة معينة . ولا نعلم ما الذي يمنع القضاء في حالتنا هذه من النظرة الشاملة للظروف النفسية و العائلية و الاجتماعية العديدة التي كان يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار في الحكم على هذه الجريمة التي لم يصاحبها أي جريمة أخرى ( الفصل 204 ) كتلك القضية المتعلقة مثلا بارتكاب الفاحشة والقتل، ولم تكن تتعلق بقتل الأصول من الأقارب (الفصل 203 ) لتشديد العقوبة، كما أن الغرض منها لم يكن يعني على الأرجح لمقترفيها إلا درء الفضيحة والخوف من انحلال الرابطة الزوجية للطرفين في سن الشباب.

ومهما يكن من أمر هذه القضية وغيرها أبشع بكثير ، فإننا ما زلنا نطالب بالارتقاء بمنظومتنا الجزائية من خلال إلغاء عقوبة الإعدام لتعزيز منظومة حقوق الإنسان في تونس.


ليست هناك تعليقات: