الخميس، ماي 31، 2007

شعارنا: باكو دخان لكل مواطن

جاء في بلاغ الوكالة الوطنية للتبغ و الوقيد و مصنع التبغ بالقيروان
" ... و حفاظا على القدرة الشرائية للفئات الاجتماعية المستهلكة لنوعية خاصّة من السجائر لم تشمل الزيادة سجائر بوستة مبسمة و الكواكب رغم تسجيلها لهوامش سلبية..."


اي انو المواطن الزوالي و الفئات المحتحتة و سكان مناطق الظل عندها الفرصة باش تعمّر الطّاسة بابخس الاسعار..
و انطلاقا من المثل الاولمبي " السدر اللي ما يجيبش ميداليات الدخان اولى بيه " فإن العناية الموصولة للفئات المتّاخذة تطبّق العدالة الاجتماعية في سياسات الاسعار و حسب اهمية المواد المسعّرة ...فزيادات الخبز و السميد و المقرونة تطبّق على الجميع دون استثناء نظرا لكونها " برودوي دو لوكس" ... كيفها كيف البرفان و الشراب الاحمر و السيارات الـ4* 4

إلي برجو بالمرمة , يموت في سطل بغلي


Stupeur

والله ما فهمتش وين آخرتها

.تمشي فالشارع ما تسمع كان الي تكره, وسخ وذنيك, ربك والسما يخيط

.مالذكورة للأناثي , مالصغير للكبير و حتى الي يدبي عالحصير

مقبيلة, هبتط ناخو في كسكروت, بنية تبارك الله عليها, تعمل فالترنتان نظيفة و ظاهرة متربية و مثقفة, واقفة تستنا عند الكسكروتاجي, أحنا هكاكة و جا راجل مسيكن كمل فطورو و باش يخلص و يقصد ربي, كي تعدا بجنب صحيبتنا ما سمعت كان الطفلة قالت فيها وووه

و بدات السنفونية, من أمو إل بوه إل أصلو و عرش جد بوه لولاني والراجل ماهو فاهم شيئ

قال شنوه, كيف تعدا بجنبها باش يلخو بابيي يمسح فيه يديه, قربلها شويا

الراجل دخل بعضو و ما لقا ما يقول, الناس تقلها وسع بالك ما صار شي يا مادام و هيا تزيد تشعل, كلامها ولي بالسفاهة, والدين والسماء قال شنوة, مادموازيل موش مادام. أكا هو, ركح الجو شويا, خذات كسكروتها و خارجة, غزرت إل صاحبتها و قالت: ملا عرب.

خاترها هي بنت الأصرم متع فرانسا, إسمها الثلاثي: صمونة جرمانة من نقبة الأصرم, والله شيئ يعيف

أخطانا من قلة التر بية, هاذيكا ولات دي ساري, كانت أبسيون, أما توا الي ما يقولش كلام مرزي ولاو يقولو عليه قعر, زمني, متخلف و رجعي

الفازة وين, إلي نحنا ولينا راسيست في بعضنا, جو دي بيان راسيست موش ريجيوناليست, الرجيونالزم لعب ذري, ديفيزيمن دو, ما عادش أ لا باج

ما تسمع كان: ملا عرب, سيدي عربي, كربي متخلف, ملا ليبي, عربان, ووه هالعريبة

أنا برجولية ما نقولش إلي أنا عربي, موش على حاجة, أما خاترني مخلط مجلط, مالعربي للبربري للأندلسي للتركي للفينيقي للروماني إل ما نعرفش شكون آخر

أما كون مام, عايش في بلاد تطغى عليها الهوية العربية و دستورها ينص إلي هي بلاد عربية و دينها الإسلام

و نكرز كي نسمع هالحكايات الكل

كان أحنا نقولو هكة ألور ما لازمناش نتشكاو مالأخرين كيفاش يقولو علينا في فرد حاجة و ساعات أقل

ملا عرب هاذم

PS : : صمونة جرمانة من نقبة الأصرم Simone Germaine Du Trou Lasram

signage-arabic.jpg


الجمعة، ماي 25، 2007

الفستان قصير؟

les raisins de la colere

صديقتي فاطمة سيدة متعلمة تحصلت على الإجازة في الآداب الفرنسية في وقت كان فيه بعض الآباء يعترضون على تعليم بناتهم في المدارس الابتدائية. تعلقت فاطمة بالأدب الفرنسي كأشدّ ما يكون التعلق و درست نصوص فلاسفة الأنوار و تشبّعت بها وآمنت بأن لا مجال لشعب ما بأن يتحرّر من الظلم و الاضطهاد إذا لم يكسر القيود التي تكبّله اجتماعيا و فكريا. عندما تتحاور مع فاطمة تبهرك بالكمّ المعرفي الذي لديها عن روسو و فولتير، عن لامارتين وبودلير و عن كورناي و موليار

شاهدتني فاطمة مرّة وأنا أرتدي فستانا يصل إلى مستوى الركبتين فنظرت إلي مستغربة وقالت: "هل يسمح لك زوجك بارتداء هذا الفستان"؟

ما الذي جعل فاطمة تطرح هذا السؤال؟
فاطمة صادرت حريتها كفرد و أعطت المفاتيح لزوجها حتى يسمح لها أو لا يسمح بارتداء ثوب ما أو بتسريح شعرها بطريقة ما أو بمصادقة شخص ما. و هي عندما قامت بذلك لم تفكر لحظة واحدة أنّ هذه مسائل تهمّها هي بالدرجة الأولى. و هي إذ تمارس بهذا الشكل و تقبل هذا التدخل في شؤونها من قبل زوجها تعتبر أنه أمر بديهي و لا يناقش لا من حيث وجهة نظرها فحسب و إنما من وجهة نظر الآخرين أيضا. و هي بعد أن صادرت حريتها بنفسها أصبحت تجوّز لنفسها أن تمارس سلطة تجاه الآخرين تصادر بها حرياتهم، و هي ترى أن من صلاحياتها أن "تحميك" أنت نفسك من ممارسة حريتك الشخصية

ما هو الرد الذي كانت فاطمة تنتظره منّي؟
إن البناء الفكري الذي يحرك أشخاصا من هذا النوع يهيّئهم في اعتقادي إلى الحصول على إجابة من نوع
"هل تعتقدين أن فستاني قصير؟ "
أو ربّما "نعم زوجي يسمح لي بذلك و هو أمر لا يزعجه"
أو في الحالات القصوى "في الحقيقة هو لا يسمح لي بذلك و لكني أفعل ما أريد"

مسكينة فاطمة!!! سمعت منّي ردا جعلها في غاية الاندهاش إذ لم يكن في الحسبان رغم صدقه و عفويّته فلقدت أجبتها ببراءة و بدون تفكير "و ما شأن زوجي بهذا الموضوع؟ هل هو الذي سيرتدي الفستان أم أنا"؟
فاطمة و امثالها عديدون فهل هم مجرد وعاء محشو بجملة من القيم و المعارف؟ هم غير مؤهلين على التعاطي معها إيجابيا
كيف تستطيع فاطمة وأمثالها أن يتمثلوا مضمون هذه القيم وهذه المعارف؟

عندما يؤمن الإنسان بحرّيته الشخصية لا يحتاج إلى تبرير سلوكه أمام الآخر في مسائل عادة لا تهـمّ سواه. ما يمنعنا من أن نكون أحرارا هو أنّنا نكبّـل أنفسنا بقيود من الأوهام التي نصنعها بأنفسنا ثمّ لا نجد منها خلاصا و نتخيّل سيناريوهات يحاسبنا فيها الآخر عن ممارستنا أو حتى عن أفكارنا. و يمثِـّل هذا الآخر عادة سلطة معنويّـة علينا و هذه السلطة لا يستمدّها من قدرة حقيقيّة لديه بل من قدرة صوريّة بحتة
تجد نفسك دون وعي تتساءل: "و ماذا لو لم يعجب هذا التصرّف فلانا؟" و في غالب الأحيان يتمثّـل فلان هذا في أحد والديك أو في شريك حياتك (زوج أو زوجة) و هو في حدّ ذاته شيء مريع. و لكنّ الأسوأ من ذلك أنّه قد يكون صديقك أو جارك أو مديرك في العمل أو مجرّد زميل لك في الدراسة أو في الشغل

إذا كنت غير قادر على المطالبة بحرّيتك الشخصية في مجالات الحياة اليومية التي تبدو تافهة، و ذلك عن طريق الفعل الممارس مهما يبدو لك بسيطا، فإنك غير قادر على أن تطالب بالحرية للآخر أو بالتأسيس للمجتمع المدني أو للديمقراطية
حريتك الشخصية قد تكون مجالا للتفاوض يوميا مع أحد والديك أو قرينك أو أحد أبنائك، مع زميلك في العمل، مع أحد الجيران أو حتى مع بائع السمك. إذا لم تحافظ عليها فهي لن تكترث لما قد يحدث لك

الأربعاء، ماي 23، 2007

الأصل اليهودي للإسلام و إنقراض العرب



نبيل فياض

: للأسف الشديد، ليس هنالك في المنطقة ذات الغالبيّة الإسلاميّة، مهما اختلفت لغاتها القوميّة، أيّة مبادرة جديّة لمقاربة الديانة المحمدية بطريقة عقلانيّة. يبدو أن الإسلام والعقل خطّان متوازيان لا يلتقيان أبداً. وكما قال الفيلسوف الدانمركي الشهير، سورن كريكغارد: إما ... أو- إما الإسلام أو العقل. كيف يمكن لعاقل أن يفهم ، على سبيل المثال لا الحصر، ظاهرة الحج منطقيّاً، خاصّة رمي الحصى على إبليس [ ديابولوس اليوناني ] أو الطوفان حول كتلة الحجارة المسماة بالكعبة أو تقبيل الحجر الأسود الذي يقتنعون أنه من الجنّة؟ أول خطوة في اتجاه العقل ستكون المسمار الأول في النعش الإسلامي؛ من هنا يمكن أن نفهم – دون أن نقبل بذلك طبعاً – سرّ رفض " علماء " الإسلام لأية مبادرة نقديّة عقلانيّة لفهم الإسلام، مهما كانت مسرفة في الحياديّة والموضوعيّة. وهؤلاء كما يعلم الجميع مدعومون من القطبين الآخرين في الثالوث النجس، أي رجال المال ورجال الحكم، الذين لا هم لهم غير الحفاظ على حشويّة المجتمع – الأمة كما يسمونها – في أعلى درجات السكونيّة. في الصراع بين العقل والنقل، بين الفلسفة والميثولوجيا، بين الحقيقة ووهم الحقيقة، لم يفز إسلاميّاً غير القطب الثاني من المعادلة؛ وما دام الحلف النجس قائماً، لن يكون ثمة جواب على سؤال: ما هي الحقيقة؟

. وكما أشرنا من قبل، فإن أدلّة لا حصر لها توحي أن المحمدية إن هي إلا استمرار لليهوديّة التلموديّة الحاخاميّة، بما في ذلك أدلّة بحوزتنا تقول بصريح العبارة إن محمداً كان يرتاد باستمرار بيوت هامدراش اليهوديّة في يثرب.
.

لا يمكن أن نأمل بأي جهد بحثي راق من الناطقين بالعربيّة في هذا الزمان. مع ذلك، فإن ترجمة التلمود والمدراش هامة للغاية إذا ما أردنا أن نعرف بدقّة مصادر الديانة المحمديّة. وكما قال غنسبرغ، فقد نظر محمد إلى التوراه بعيون الهاغاداه – من هنا، من الواجب علينا أن نمتلك هذه الأغاداه أو الهاغاداه إذا ما أردنا لبحوثنا أن تخرج من ظلمات الأسطورة إلى نور العقل. بالنسبة لترجمتي للـعابوداه، فهي تهدف إلى إظهار الأصل المعرفي لعقليّة التكفير في الإسلام.


أنت تقريباً من مؤيدي نظرية الأصل اليهودي - الحاخامي للفكر الديني الإسلامي، ولكن أكثر المستشرقين، وفي مقدمتهم ألفونس مِنْكـَنا صاحب (التأثير السرياني في أسلوب القرآن) و آرثر جِفري صاحب (المفردات الأجنبية في القرآن) و كرستوف لكسنبرغ صاحب (قراءة سريانية - آرامية للقرآن) يؤكدون الأصل الآرامي والسرياني (وليس العبري) المباشر للمصطلحات وأسماء الأعلام/ و حتى بعض المفردات الأساسية/ القرآنية (وأما لكسنبرغ فيزعم أن مقاطع من القرآن مثل سورة الكوثر، هي إعادة قراءة لمقاطع من نص سرياني مثل الترجمة السريانية للعهد الجديد: مقطع من رسالة بطرس الثانية تحديداً)، فهل هذا يؤكد تأثير النصوص المسيحية السريانية (للبشيطه ولآباء الكنيسة السريان) أم النصوص اليهودية الربانية الآرامية مثل التلمود والمدراش؟

ن. فياض: أنا أؤمن بالعمل المدعم بالوثائق. الوثائق تقول إن التلمود البابلي وحده متقاطع مع القرآن في عشرات المقاطع، في حين أنه لا توجد نصوص مسيحيّة يمكن مقارنتها مع ما يماثلها في التراث المحمدي. إذا أخذت مثلاً من كتابي حكاية ابراهيم حجم التطابق بين معاسه أبراهام، النص الأغادي الشهير، والنصوص القرآنيّة المقابلة، سوف تدهش. التطابق حتى في الألفاظ التي هي ذاتها أحياناً، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار القرابة الوثيقة بين اللغتين العربيّة والعبريّة. من ناحية أخرى، نحن نفتقد على نحو شبه مطلق أي نوع من المعرفة الموثوقة بنوعيّة اليهوديّة التي سادت زمن محمد في الحجاز واليمن. لكن لماذا لا يكون الأثر الآرامي كان جاء من اليهود، لا المسيحيين؟ العبرانيّة والآراميّة لغتان شقيقتان؛ بل في العهد القديم نصوص لا بأس بها مكتوبة أصلاً بالآراميّة. العهد الجديد، بالمقابل، مكتوب كلّه باليونانيّة، باستثناء إنجيل متى الآرامي المفقود حتى الآن. نضيف أيضاً أن هنالك إشارات لا بأس بها إلى انتشار الترغوم بين يهود جزيرة العرب زمن محمد.

كمشة بدو)، وماذا يتضمن باختصار؟

ن. فياض: أعمل فيه اليوم بتركيز تام. إنه مقاطع من تاريخ العرب – تلك الكائنات الآيلة للإنقراض ومن أجمل أحداث الحضارة أن ينقرض العرب – تظهر بالكامل كيف دمّرت العقليّة البدويّة الحضارات القديمة وما تزال مستمرة في تدميرها، عبر أدلّة داحضة.


12. من أعمالك المهمة كتاب (نيتشه و الدين) الذي كتبتـَه بالاشتراك مع الباحث الألماني (موترايش)، لماذا هذا الكتاب نادر كالكبريت الأحمر في البلاد العربية؟ وهل يمكن أن تلخص لنا المحتوى الجوهري لأفكار الكتاب؟

ن. فياض: الكتاب هو عرض نقدي للمقاطع المتعلقة بالدين في كامل أعمال نيتشه. هو نادر لأنه في زمن حماس ومقتدى الصدر وحزب الإله وكائن اسمه الضاري، لا مكان لشخص اسمه نيتشه، قال بصريح العبارة إن الله مات.


13. ترجمتَ لنيتشه: (شفق الأوثان) (وهناك ترجمة أخرى منشورة بعنوان: أفول الأصنام) و (بمعزل عن الخير والشر) و(عدو المسيح).. لماذا هذا الاهتمام الخاص بنيتشه؟ وهل نشرت تلك الأعمال الثلاثة حتى الآن؟ ألا يمكنك أن تعطينا خلاصة موجزة لأفكار كل منها؟


ن. فياض: لم أنشر منها شيئاً لأن الرقابة السوريّة طالبانيّة أكثر من بن لادن. نيتشه، برأيي، أهم فيلسوف في تاريخ البشريّة لأنه أعاد الأولويّة للذات مقابل الموضوع. اليهوديّة والإسلام والماركسيّة أيديولوجيّات قمعيّة لأنها تقدّم الفكرة على الإنسان: كم قتل محمد على مذبح مولوخ-إلهه؟ وكم دمّر ستالين في نوفاسيبريسك شيوعيته اللاإنسانيّة؟ نيتشه أهم من محمد وستالين بما لا يقارن؛ أزمة نيتشه أنه يطلب منك أن تقرأه وتفكّر! محمد وستالين يطلبان منك أن ترمي بعقلك في أول سلّة زبالة... وتتبعهما! نيتشه نبي الكائنات العاقلة: محمد، ومثله ستالين، نبيّان برسم الرعاع! أفكار نيتشه تشمل كل أوجه حياة العقل. لم يتحدّث هذا النبي عن قواعد القتل والتكفير والاستنجاء والاستجمار والخرطات التسع، لذلك لا أحبّذ الكلام عنه كثيراً في بيئة توقّف تفكيرها عند نكاح البنت من الزنا وخنزب وفضائل الحسن بن علي، الذي اشتراه معاوية وقتله... أوه!! تاريخ مقرف. ما أصعب أن يكون المرء عربيّاً وفي زمن اسماعيل هنيّة ومقتدى وبقية الماريونيتات المحمديّة!! هنا أتساءل: هل كان بريئاً استعانة الأمريكان بالإسلام للقضاء على الستالينيّة؟ لا يفل الحديد إلا الحديد!! الحقيقة أن الكذبة الإسلاميّة أكثر إقناعاً وقوة من أختها الستالينيّة، لأنها تكتفي بدور الوسيط في نقل الحقيقة – وهم الحقيقة – من كائن علوي، في حين اكتفت الستالينيّة، التي تحترم العقل البشري أكثر، في الزعم أنها بشريّة الأصل والفصل. هل يمكن أن نفهم هنا أيضاً استعانة الأمريكان بالإسلام على الإسلام للتخلّص من هذا الركام المريع؟ لن ننتهي من الإسلام إلا بإشعال المعارك بين السنّة والشيعة، فنرتاح ويرتاح العالم والحضارة!!!

يقول نيتشه: هنالك أوثان في هذا العالم أكثر من الحقائق. الكتاب، كما أفهمه، يركّز الأنظار على مسألة الفرق بين الحقيقة ووهم الحقيقة. ونحن بتوثين وهم الحقيقة نحوله إلى حقيقة: هل سمعت بقصّة الإسراء والمعراج، التي حوّلها الدجل المقدّس إلى حقيقة تاريخيّة؟

لا أستطيع أن أصدّق حرفاً واحداً من العهد القديم ما لم تكن هنالك وثيقة خارجيّة غير يهوديّة تؤكّد ما يقوله العهد القديم. في كتابي "مدخل إلى مشروع الدين المقارن"، أشرت في مقالة مترجمة إلى ما يقوله نقّاد العهد القديم من أنه ليس ثمة دليل على صحة أي حدث في العهد القديم، خاصّة سفر التكوين وسفر الخروج. لقد أشرت في كتابي عن "إبراهيم" أن هذا النبي المزعوم شخص ميثولوجيّ بالمطلق، وعندما سأتناول شخص موسى، سأظهر أن هذا أيضاً ليس أكثر من ميثولوجيا صرفة. بالنسبة إلى فرويد، أعتقد أنه ارتكب خطأ جسيماً حين اعتمد على الترجمة اللاتينيّة-اليونانيّة للاسم العبراني، لينطلق من ثم إلى استنتاجاته التي لا أساس لها من الصحة. فرويد يهودي، حتى وإن ادعى العلمنة. من هنا، وبذكائه الخارق، أدرك أن لا أساس منطقي يمكن أن يقوم بدور حامل تاريخي لهذا النبي المؤسس المزعوم للديانة اليهوديّة. استدار فرويد إلى التاريخ المصري، وراح يغمس فيه موسى اعتماداً على أساس فيلولوجي منطلقه السابقة مس التي توجد في الاسم غير العبراني للنبي. إن اعتماد التسمية غير العبرانيّة يحمل مخاطر التخلّي عن البعد الميثولوجي لهذا الشخص. موشيه التسمية العبرانيّة للنبي تعني المنتشِل [ يفترض أن يكون المنتشَل، فموسى بحسب الأسطورة العبرانيّة أنتشل من اليم؛ مع ذلك فنحن نعتقد أن المنتشِل يمكن أن تعني ميثولوجيّاً الذي انتشل اليهود من الأسر والعبوديّة ]، لذلك فإن اعتماد التسمية غير العبرانيّة لهذا النبي يمكن أن يطيح بالأساس الذي قامت عليه الأسطورة أصلاً. في النهاية، الديانة اليهوديّة، كالإسلام تماماً، مزيج تركب عبر الزمان من عناصر كثيرة منها ما هو محلّي ومنها ما هو مستورد. يكفي الإشارة هنا إلى العناصر الكثيرة التي أخذها اليهود عن الزرادشتيين.


التاريخ السامري لم يستهوني لأسباب كثيرة، إضافة إلى أنه من غير الممكن لأي باحث أن يعرف في كل شيء. فقط أعرف أن ثمة أشياء كثيرة أخذها الإسلام عن السامريّة، لكن لا يمكن مقارنة ذلك بما اقتبسه الإسلام عن اليهوديّة التلموديّة التقليدية. هل تعرف، مثلاً، أن القرآن أخذ عن التوراه السامريّة قصّة أن الله رفع السماء – طبعاً ليس ثمة سماء ولا من يحزنون – بلا عمد [ سقف شموييم بلا عموديم ]؟ بل يمكن القول إن النصف الأول من الشهادة عند المسلمين مأخوذ حرفيّاً عن السامريين. هكذا أمور بحاجة إلى هدوء وحريّة: وهذا ما عمل محمد وأتباعه عن إبعاده عن كل منطقة دخلها الإسلام، بحيث لا يكشف أي مستور.

http://imedhabib.blogspot.com/

عماد حبيب

انا أدوّن....اذن انا مغاربي


أصبح واضحا لديّ أن التدوين لم يعد مجرّد فسحة للخاطر؛ أو مجرد كلمات يكتبها المرء للترويح عن النفس. لقد وفّر التدوين ساحة لقاء ؛ لقاء لأفكار شباب تربّى على الانقسام و جهل الآخر؛ حتى لو كان هذا الآخر هو الجار المغاربي؛ شباب لم تكن تجمعه في أحسن الحالات إلا شعارات قومية تقادمت مع الزمن و أمست بدون معنى. شباب سئم حدودا صارت بوابات لسجون لا تفتح. إن يوم التدوينة من اجل المغرب الكبير و إن كانت حركة رمزية قد لا يكون لها صدى إعلامي كبير؛ نظرا لضعف عدد مستعملي الانترنت؛ إلا أنها تبرز الإمكانيات الجديدة التي أصبح يتمتع بها الشباب المغاربي و التي توّفر له إمكانية اللقاء و النقاش في كل المجالات؛ لقاء كان إلى وقت قريب تعوقه الظروف الاقتصادية و السياسية.
إن التدوين سيسحب البساط من تحت من ولّوا أنفسهم اولاياء بدون حق؛ قسّموا الأوطان و العقول فأصبح من العادي أن يتعرّف الواحد منا على فرنسي و صيني و ألماني و لكنه بالكاد يعرف مغربيا درس في جامعة الحقوق أو ربما الطب؛ لا يدري !؟
إن مثل هذه المبادرات تعكس وعي الشباب المغاربي لا بالانقسام الذي يعيشه فقط؛ وانما وعيه بضرورة التخلص منه عن الطريق المزيد من التواصل و التعارف. إن أي بادرة تدعو إلى تقارب الشباب المغاربي هي خطوة في الطريق الصحيح؛ خطوة في طريق طويل؛ لا يمكن أن نمشيه فرادا؛ لذلك اناأمد يدي هنا إلى كل شاب مغاربي من اجل أن نسير يدا في اليد لما فيه خير هذه البلاد. و لا يسعني هنا إلا أن اشكر المدوّن بيغ تراب بوي على هذه البادرة الطيبة؛ إن يوم 1 جوان ليس سوى البداية.

الأحد، ماي 20، 2007

اعدام


إعدام لخيالي و لأحلامي؛ يبدو أن هذا ما احتاج إليه لاكتشف معنى الحياة من جديد؛ بدأت أحس اني غير واقعي و أن ما أصبو إليه لا يعدو أن يكون مجرد أحلام صبي تافه؛ تافه جدا؛ لأنك عندما تغادر الدنيا إلى الجنة و أنت تعلم أن البراق صار اسمه اليوم "....."؛ تختلف الاسماء و لكن المعنى واحد؛ فانك لا يمكن أن تكون غير تافه؛ هذا التافه تسميه أنت و بعض من أصحاب السوء "الحالم"؛ يجب لهذه اللحظة أن تعدم؛أن تنتهي حتى تولد من جديد؛ تاريخ الإعدام هو تاريخ ميلاد الحقيقة التي رفضت أو تعمدت أن لا تراها؛ أفق ؛ أفق ... لا وقت للأحلام اليوم؛ أغمض عينيك و أفق وانسى و إلى الأبد انك الإنسان الذي تعرف؛ سر في الطريق؛ الطريق أمامك؛ ا ربما خلفك؛ الجميع يعرف الطريق؛ فلما السؤال؛ ما عليك سوى أن تنظر أمامك و سترى الجمهور يسير في خطى ثابة؛ إلى الأمام ؛ إلى الخلف؛ إلى اليمين أو إلى الشمال؛ من يهتم؟ المهم انك في الطريق؛ لا تتخلف؛ لان الطريق لا ينتظر؛ لكنني سئمت الطريق؛ سئمت الجمهور؛ كم أتوق إلى الهروب؛ هروب إلى اللاطريق...؛

فتاوي آخر زمن…يبدو أن الشيخ “رضع” فاستحب الرضاع

فسيفساء

لما كان جامع الزيتونة يعج بالعلماء والفقهاء وكان الطلبة يأتونه من المشرق والمغرب، لم يحدث أن فتى أئمته ومشايخه وعلمائه بفتاوي تبيح الخمر وارتياد الملاهي والكافيشانطات ولعب الميسر واستهلاك التكروري. لم يفتو بتحليلها ولا تحريمها. كان أئمة هذا الصرح العلمي يعتقدون أنه لا مجال للإفتاء في أشياء ومسائل من مثل هذا النوع لأن المسلم الحقيقي يعلم ما هو صحيح وخطأ.

واليوم، يتحفنا البعض (أقول البعض) من علماء الأزهر من حين لآخر بفتاوي تبيح القتل والجهاد أو تحرمه وها هي تبيح إرضاع الكبير.

وكل ما أخشاه أن يتم تأويل كلمة “إرضاع” ويتم اتباع المقارن والقياس والأخذ بالعولمة فيحصل الجدل حول وضعية الارضاع ومكانه وشكله ومصدره وهل هو من فوق أو من تحت وفي أي وضع وبأي أسلوب وشروط صحته ونفاذه.

ربما “رضع” الشيخ والله أعلم كيف وأين وممن فاستحب الرضاع وأراد أن تعم النعمة على بقية الأمة.

وقد نري في دعوات كبارنا غدا: أرضعونا كبارا كما أرضعتنا امهاتنا وأكثر. لأن الكبير تكبر عينه وقد يشتاق الرضاع من كل الجسد.

سامح الله الراضع والمرتضع

السبت، ماي 19، 2007

حسن التدبير في فتاوى الحمير بين الرضاعة الكبرى و رضاعة الكبير

trapboy



فتوى غريبة أصدرها أحد أئمـّة جامع الأزهر في مصر أخيرا، بعثهالي مشكور أحد القرّاء وكان قد تحدث عنها موقع قناة العربية وتحدّثت عنها زميلتنا في التدوين نادية "الحديد يزيد" اليوم. الفتوى صدرت عن د.عزت عطية رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر وهي تقضي بأنّ المرأة التي تعمل في مكان تكون فيه مجبرة على البقاء في خلوة، يعني راس راس، في مكتب أو بيت مغلقة من الداخل، يمكنها تحليل الخلوة بـ... إرضاع الزميل من صدرها الحنين، وبذلك يصير الزميل محرّما، يعني وكأنّه أخوها أو إبنها بالرضاعة، وهكذا يمكن لها أن تبقى معه في الخلوة فتصبح بذلك الخلوة شرعية وحلالا مبينا.

الحكاية أخذت أبعاد كبيرة في مصر، ووصلت للبرلمان حيث إحتجّ عليها عدد من النواب والصحفيين، وقام جدال فقهي بين محلل ومحرّم، وكلات الدنيا بعضها في ترضّعو ما ترضّعوش

أنا من ناحيتي مانيش باش ندخل في الجانب الفقهي، وعلى ما يبدو صاحب الفتوى إستند على أحاديث صحيحة والله أعلم، أما فكّرت في المسألة من ناحية عمليّة: الدكتور يقول أنّو إرضاع الكبير هذا يكون من الثدي مباشرة ويكون خمسة رضعات، يعني على حساب هذا ما يكفي من الحليب باش الراجل يعمل قهوة ديراكت خفيفة، بما أنّ رضعة الكبير طبعا أكبر من رضعة الصغير، طيب لكن المشكل هنا هو في حالة كون المرأة هاذي أو الزميلة ما عندهاش من الأكياس الهوائية الحامية من الحوادث أو "الإيرباق" ما يكفي لسدّ الرمق والعياذ بالله، فكيف يمكن تحقيق عملية إرضاع الكبير في هذه الحالة؟ هل يمكن الإستعانة بالحليب الصناعي المركـّـز؟ وفي هذه الحالة هل يقع إستعمال حليب الأطفال أم أي ماركة حليب في السوق؟ وبما أننا نشرب حليب البقر عموما، هل يمكن أن نعتبر أنفسنا إخوانا بالرضاعة لكلّ عجل يولد على وجه الأرض؟

أسئلة كثيرة من الناحية التطبيقية في حاجة للتوضيح، ولكن تصوّرو أنّو أيّ واحد يرضع من صدر وحدة يولّي يحترمها ويعاملها كيف أختو، والله لو كان صحيح أنا مستعدّ لتطبيق شرع الله، ويا حبّذا لو الناس بكلّها تعامل بعضها معاملة الإخوة، يعني بإحترام ومن غير سوء نيّة، وقتها نقول خلّي الناس ترضع لبعضها ويا سعد من رضع ورضـّع، و لكن أنا وحسب الحالات العملية اللي عايشتها، لاحظت عكس هذا، فالرضاعة غالبا ما تكون مصدر إضافي للمشاكل والكراهية والإشمئزاز، وهي حالات عامة نشوفوها كل يوم في المجتمع من رضاعة متواصلة، لا تتلوها لا أخوّة ولا إحترام.

ففي العديد من البلدان تنتشر ظاهرة الرضاعة الكبرى، وهي أهم وأكثر إنتشارا من رضاعة الكبير لتحليل الخلوة بين الذكور والإناث، فنجد الناس بين راضع ومرضوع في حالة من الرضاعة الأبديّة، حيث نجد فيها خطـّة المرضع الأكبر، وهو شخص يتبنـّى الجميع بالرضاعة، فما من كائن إلاّ وقد أرضعه إن لم يكن عن طيب خاطر فبتدريع الخواطر، ولا يتطلب هذا النوع من الرضاعة أية خلوة شرعية أو غير شرعية، بل يمكن للراضع أن يرضع حتى في غياب المرضوع، وقد سهّلت التكنولوجيات الحديثة من راديو وتـلـفزةهذه العمليات ممـّا حوّل بعض وسائل الإعلام إلى مراكز عالمية للرضاعة، ومع ذلك وبالرغم من كل هذه الرضاعة المنتشرة، فـإنّك لا ترى أي أثر للإحترام ولا للأخوّة بين الناس، بل أنهم في حالات كثيرة يتنافسون على الرضاعة، وكلّ واحد يحبّ يرضع أكثر من خوه، والرضّاعة الكبار في كل بلاد سكّرو الباب في وجه الرضاعة الصغار اللّي حابّين يعملو لأنفسهم مكانة جديدة في عالم الرضيع، أمّا المرضع الكبير فإنّ الأجهزة الرضعيّة متاعو تعبت من كثر العمل المتواصل 24 على 24، خاصة أنّو ما عندوش شكون ياخذ عليه المشعل ويرتـّحوا من أفواج الرضـّاعة اللي تستنـّا باش تمارس حقها المشروع في تحقيق الأخوّة الرضعيّة الوطنية.

يمكن إذا أن نتساءل عن الإضافة اللي جاء بها هذا الإمام من جامعة الأزهر، مادامت الناس كلّها أصلا إخوة بالرضاعة الكبرى قبل الرضاعة الصغرى، وزيادة على هذا فإنه حسب رأيي المتواضع لم تعد هناك حاجة عمليّا لتحليل الخلوة مادامت الدنيا باش تخلى على رؤوس الجميع في أقرب وقت ممكن حسب آخر التوقعات، يعني الخلوة جاية جاية، حاسيلو إفتي وربي معاك

الجمعة، ماي 18، 2007

الطاهر بلخوجة: الاتحاد المغاربي أصبح حبرا على ورق

الطاهر بلخوجة يرى أن قضية الصحراء عقبة في وجه اتحاد المغرب العربي (الجزيرة نت)
سيد حمدي-باريس

أعرب السياسي التونسي المخضرم الطاهر بلخوجة عن حزنه جراء الوضع الذي آل إليه الاتحاد المغاربي بعد مضي نحو نصف قرن على مشاركته باجتماع طنجة عام 1958.



وشارك بلخوجة -الذي تولى لاحقاً منصب وزير الداخلية في هذا الاجتماع- بصفته أميناً عاماً لاتحاد الطلبة التونسيين.



وقال السياسي التونسي البارز "كان حلمنا منصباً على إنشاء الاتحاد المغاربي الذي أصبح اليوم حبراً على ورق بسبب معضلة الصحراء الغربية".



وأضاف بلخوجة "ما لم تحل هذه المشكلة، على الأقل في الإطار المغاربي، فسوف يبقى الاتحاد على ما يبدو في وضع الانسداد الحالي".



وأضاف وزير الداخلية بعهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في تصريحات للجزيرة نت أن "الواقع المؤسف الذي نعيشه اليوم قصر الاتحاد المغاربي على الشعارات وأفرغه من مضمونه بسبب الجمود الذي انتهى إليه لدرجة أنه لم يعد يعقد حتى اجتماعات تشاورية لبحث القضايا الإقليمية والعالمية".



عقبة الصحراء

ودعا بلخوجة -المقيم بفرنسا- إلى عدم اشتراط حل مشكلة الصحراء الغربية لأي تحرك أو عمل مغاربي مشترك.



واقترح في هذا السياق إطلاق كافة المسارات والمبادرات بالتوازي بحيث لا يطغى أحدها على الآخر أو يعرقل بعضها البعض.



وقال بلخوجة إنه من غير المقبول مثلاً أن يتوقف التعاون الاقتصادي المغاربي قبل أن يتم التوصل إلى حل لمشكلة الصحراء، مشددا على ضرورة توافق مختلف الأطراف المعنية حول حل لمشكلة الصحراء.



وعلق على مشروع الحكم الذاتي الموسع للصحراء الغربية -الذي طرحه المغرب مؤخرا- قائلا "يجب تجاوز الفكر المتقوقع خلف الحدود الجغرافية، ولنا في تجربة الاتحاد الأوروبي تطبيق عملي لهذا الفكر".



أزمة الثقة

وانتقل بلخوجة إلى الحديث عن انعدام الثقة بين المواطن العربي ووزارات الداخلية في الدول العربية بقوله "يجب عدم تطبيق الواقع في الدول الغربية الديمقراطية على واقعنا وشعوبنا بشكل حرفي" مضيفا أن "مسؤولية وزير الداخلية ليست شرطة وأمناً فقط، بل تعني تطبيق القانون".


ولم ينف الوزير الأسبق "وقوع تجاوزات" مشيرا إلى "أننا لم نصل بعد إلى واقع القانون فوق الجميع كما هو حاصل في الغرب نتيجة معطيات عديدة تتجاوز وزارات الداخلية".



وأشاد بلخوجة بالشعوب العربية التي قال إنها "تسعى لتكون مثل الشعوب الديمقراطية". كما دعا إلى "تفاعل الشعوب والحكام".
المصدر: الجزيرة

الأربعاء، ماي 16، 2007

رسالة الى رجل


سيّدي
لا أعلم بعد إن كنت من ضمن قرائي أم لا، إن كان ما أقوم به يستحوذ على القليل من اهتمامك أم أني بعيدة عن مدار تفكيرك.
لا أعلم مدى تجاوبك مع كتاباتي لأني لا أعلم أيضا مدى تجاوبك مع أفكاري.
تحدثت إليك بكل اللغات بلغة القلوب و لغة العيون وكل لغات القواميس
و تحدثت إليك بلغتي تحدثت إليك بصمتي.
صرخت إليك خائفة حبي و حبك في خطر، لم أعهدك لا مباليا.
كم أراك محبا للحمّالات، تحمل نفسك أعذارا واهية و تحملني مسؤولية الشقاق.
لماذا ألانّني وهبت نفسي للحب، ألانّني أهديتك نفسي فقط لأنك أحببتني أكثر.
يا الاهي تعبت من ابتداع الأعذار و تزييف الحقائق…
جف بدني عطشا للحب…
واشتاق قلبي لرجفة تحمله بعيدا عن كل القوالب الجاهزة للحب…
خذني إليك من جديد…
نبني معا قصتنا المجنونة لعشق مجنون لزواج مجنون لطفل توج هذا الجنون…
خذني إليك ففي قلبي نبضات من حبك
و يدي ترتعش بعد من لمساتك
وشفتي تشتاق قبلاتك
وجسدي ينحني في دفء أحضانك

تونس يا بلادي


بلادي كيما البلدان الكلّ
فيها الباهي و فيها الخايب
جماعة يقولوا الباهي أكثر
وجماعة يقولوا الخايب أكثر
و ممكن اللّي اليوم يقولوا هكّا
من غدوا يقولوا موش هكّا
هاذى هيّ بلادي اللّي تقصّت فيها صرّتي
هاذى هيّ بلادي وبلاد أجدادي
اللّي علي شبر من ترابها نفديها بعمري و عمر أولادي

بلادي فيها اللّي يزمّر عليك في الضّوء الأحمر
يحبّك تحرق ولاّ يتغشّش عليك ويسبّلك والديك
و فيها اللّي كتصبّح عليه يقعد درج وهو يرحّم علي والديك
فيها الفقير يقلّك لاباس عليّا
و فيها الغني اللّي يقلّك ما عنديش و ما نعطيش
فيها الفقير يقتل روح على دبّوزة
و فيها الغني اللّي ما يعمل كان الخير
فيها الفقير اللّي عايش فرحان
والغنيّ اللّي ما يرقدش اللّيل
فيها اللّي يفيّس بال 404 باشي
واللّي يفيّس بال 4*4 كاشتي
فيها الزّوّالي اللّي يقصّولوا الطّاكس من الشّهريّة
وفيها رجل الأعمال اللّي الدّولة ما تعرفش لون فلوسو
فيها اللّي يحبّ المثّاومة، الملخّيّة والكمّونيّة
و فيها اللّي يحبّ البيزا ، البورقر و المقروض لكن بلا ليّة

فيها اللّي يصلّي يقولولوا خوانجي
واللّي يسكر و يغنّي يقولوا هامل
فيها البنيّة اللّي تلبس الحجاب ما تعجبش
واللّي تعرّي روحها كيما لقورّا ما تعرّسش
فيها النّاس النّهار الكلّ تقيّد في أحوال النّاس
فيها ناس ما عندها ما تعمل كان تحكم علي النّاس
فيها البطّالة ما تعمل في شيّ
واللّي يخدم زاده، ما يعمل في شي
فيها البطّال يلوم فلّي يخدموا
واللّي يخدموا يلوموا عالبطّالة
و الكلّنا نلوموا في بعضنا ما عاجبنا شيّ
و خالتي عطيّة اللّي فيك ردّو فيّا

فيها عقليّة فريدة من نوعها
عقليّتي و عقليّتك و عقليّتنا
كي تجمعهم مع بعضهم يعملوا فسيفساء مميّز
و هذاكا علاش أحنا نحبّوا هالبلاد
ونزيدو نحبّوها أكثر لو كان كلّ واحد
يغزر لروحو قبل ما يغزر للأخرين
و يحكم علي روحو قبل ما يحكم علي الأخرين
ويتلهي يحسّن روحو قبل ما يتلهي بلأخرين
وأنا أوّل واحد فيكم :)

هيّا بخاطركم ، و تصبحوا علي خير وعافية

مقترحات بالنسبة للتدوينة من أجل "المغرب الكبير" يوم 1 جوان

من الواضح أن المدونين التونسيين متعطشين للمشاركة في النقاش العام. يعكس ذلك طبعا حدود النقاش العام في الظرف التونسي الراهن. و في الحقيقة سعدت كثيرا باقتراح بيغ تراب بوي و غيره من المدونين بالقيام بتدوينة خاصة من أجل "المغرب الكبير" يوم 1 جوان القادم. و لا يمكن لأي تونسي ألا يتعاطف مع هذه المبادرة و ألا ينضم اليها على الأقل من حيث المبدأ. و لكن لدي مجرد ملاحظات من أجل أن لا تكون هذه المبادرة مجرد عاصفة رملية فيها الكثير من الصخب و القليل من التأثير على ما حوالينا.
ففي نفس الوقت الذي لا يجب فيه المبالغة في أهمية البلوقسفير التونسي و ما يحدث فيه (مقارنة مثلا بالبلوقسفير الإيراني أو حتى المصري) علينا أيضا ألا نتسهين بتأثيره رغم ضآلته الكمية. و هذا ما يدفعني للتساؤل عن الهدف العملي من وراء هذه التدوينة. هل نحن بصدد مسيرة بلوقسفيرية من أجل "وحدة المغرب الكبير"؟ طبعا ذلك سيثير الإنتباه و لكن سيكون بمثابة إثارة لبعض الغبار الذي لن يراه الكثيرون في جميع الأحوال. و الهدف من المسيرات هو تحديدا إحداث الصخب و هي من أدوات التعبئة و لكن ذلك لا ينسجم مع مجال التدوين خاصة في ظل محدودية البلوقسفير التونسي. إذا ما الهدف من أجل هذه التدوينة المشتركة؟ أعتقد أن هناك بعض الضبابية في هذا المجال. و أرغب هنا في اقتراح بعض الأهداف العملية و طرحها للنقاش إن أمكن.

أولا، أقترح أن نستثمر هذه التدوينة المشتركة لفتح نقاش ليس بالضرورة أكاديمي و لكنه سيكون مناسبة مهمة للخروج من بعض الضبابية و الابتعاد عن الصخب و الشعاراتية و هي الإضافة التي يمكن أن يقدمها المدونون. يمكن مثلا لكل مدون أن يناقش ثلاث مسائل بأي طريقة يريدها. المسألة الأولى هي ببساطة: ماهوالشيئ أو ما هي الأشياء المشتركة بين أقطار "المغرب الكبير"؟ يبدو أن هذه المسألة البسيطة لا تحمل لدينا ضرورة إجابة بديهية مثلما كان واضحا من النقاش الذي أحاط باختيار شعار التدوينة ("مغرب عربي" أم "مغرب كبير"). المسألة الثانية: فيما نرغب بالتحديد؟ وحدة سياسية؟ سوق مشتركة و مسار مشابه لمسار الإتحاد الأوروبي (أي سوق مشتركة و اندماج اقتصادي طويل يسبق مسار سياسي آخر أكثر طولا)؟ أم طريق ثالث؟. المسألة الثالثة: في علاقة بالمسألة الثانية لماذا أي من هذه الطرق هو طريق عملي و ممكن التحقق في ظل الظروف السياسية و الثقافية و الإقتصادية الراهنة؟

ثانيا، أقترح أن نصدر "ميثاق المدون المغاربي" يؤكد على النقاط المشتركة العامة التي دفعتنا للقيام بهذه التدوينة و الأهم من ذلك التأكيد على أهمية التدوين في تقريب وجهات النظر المغاربية.

ثالثا، تنشيط المجمع التدويني المغاربي القائم أصلا و فتحه لكل المهتمين بكتابة تدوينات خاصة بـ"المغرب الكبير" بعد 1 جوان. طبعا يمكن تصدير "مثياق المدون المغاربي" بالإضافة للنصوص التي سيقع كتابتها يوم 1 جوان (بوصفها وثائق) في المجمع التدويني المغاربي.

هذه مجرد مقترحات سأكون في غاية السعادة لو ناقشناها بشكل أكثر تفصيلية قبل 1 جوان.

يظهرلي كثرلتها م التشقشيق... أيا أنتستم... و "الكفاح الثوري مستمر" كيفما يقولوا إخوانا الليبية
:))
Update
اكتشفت منذ قليل أن بيغ تراب بوي افتتح منتدى في الغرض و هي مبادرة عملية للغاية.

الجمعة، ماي 11، 2007

مقالي عن إيران في الجزيرة نت



كتبت مقالا جديدا حول السياسة الإيرانية في موقع الجزيرة نت ركن المعرفة للتأكيد على الدور الرئيسي للعامل القومي فيها. طبعا هذا موضوع كتب فيه الكثيرون و لكن في مقالي أعتمد على معطى جديد لم يقع التحدث عنه في الأوساط الإعلامية العربية. يتعلق ذلك بوثيقة سرية مؤرخة في ماي سنة 2003 تم الكشف عنها في الولايات المتحدة بشكل نهائي في فيفري من هذا العام. صورة لهذه الوثيقة المهمة متوفرة على الرابط التالي.


بالمناسبة ما استفزني و دفعني دفعا للكتابة عن هذا الموضوع خبر رفض وزير الخارجية الإيراني الجلوس على طاولة العشاء مع كوندي رايس بتعلة وجود عازفة كمان أوكرانية متبرجة في القاعة. بدى لي ذلك تعبيرا في غاية التركيز على سياسة الوجهين لإيران: إدعاء العفة الكاملة في الوقت الذي يتم فيه التصرف بذرائعية ميكيافلية كاملة. من البديهي أن تكون أي دولة ميكيافلية، و هذا هو جوهر المقال فأنا لا ألوم الإيرانيين على ذلك، و لكن لا أستسيغ كل الشعاراتية الفارغة المقابلة لذلك و التي توهم الكثيرين بعفة مغشوشة للإيرانيين. عندما أقول ذلك أفكر تحديدا بالشيعة العرب الذين يضعون جل أوراقهم في السلة الإيرانية تحت شعار الوحدة المذهبية.


أمر آخر أود التأكيد عليه أيضا أن هناك نقاشا جديا في الولايات المتحدة حول هذه المسائل و ليس هناك صوت واحد كما يتبادر للذهن. و في هذه النقطة بالتحديد (أي ضرورة الحوار مع إيران و سوريا و القيام عموما بسياسة واقعية في المنطقة تعترف بخصوصياتها و لا تحاول فرض رؤية أحادية عليها) يقوم باحثون مثل فلنت ليفريت و "مؤسسة أمريكا الجديدة" بدور هام.

نموذج أمريكي في حرية الإعلام






يمكن إعتبار بيل مويرز من أكثر الصحفيين التلفزيين الأمريكيين خبرة و تمرس. و هو يسجل الآن موقعه المميز من خلال سلسلة التقارير التي بدأ القيام بها منذ أشهر حول تدهور مستوى مهنية الإعلام في الولايات المتحدة كما تبين بشكل خاص عند المسار للحرب. يتم بث الحلقات على القناة العامة العريقة في الولايات المتحدة بي بي أس و التي أصبحت مغمورة في ظل رواج القنوات التجارية الإخبارية. يجب الإطلاع على هذه الحلقات خاصة بالنسبة لكل من لديه تصورات طوباوية سواءا في اتجاه وجود حرية إعلام مطلقة في أمريكا أو في اتجاه غيابها بشكل مطلق كما هو رائج في بعض منابر الخطاب الشعبوي العربي. هذا ببساطة برنامج يعكس لحظة تاريخية في الإعلام الأمريكي و تحديدا في تمثله لذاته. أتساءل إذا كان "برنامج تدريب الصحفيين الشرق أوسطيين" يوفر التعرف على تجارب مثل تجربة مويرز؟




.
يمكن مشاهدة جميع الحلقات من هذه السلسلة بجميع أجزائها الأربعة على موقع القناة.
كما يمكن مشاهدة برنامج موازي على نفس القناة خاص بالصحفي بيل مويرز

الخميس، ماي 10، 2007

Le 1er Juin Je blogue pour le Maghreb Uni يوم 1 جوان سوف ندوّن للمغرب الكبير



من يريد أن ينضمّ؟
Qui est partant?
Who wants to join in?




كنت أعلنت البارح على فكرة تنظيم حملة تدوينية للدعوة لمغرب عربي أكثر وحدة ،

وبما أنّ عدد من الإخوان والأخوات القراء والمدونين والمدونات تجاوبو مع فكرة تخصيص يوم للمغرب العربي،

وحيث أنّ البعض منهم وافق على إقتراحي ليوم 1 جوان كيوم التدوين من أجل المغرب العربي ،

و حيث أنّ الفكرة الأولية هي قيام كل مدون بتحرير بوست حول موضوع المغرب العربي في اليوم المحدد

فإنه يتعين حسب رأيي القيام بالأمور التالية

أوّلا إيجاد عنوان موحد للحملة

ثانيا إنجاز شعار أو "بانر" يمكن الإكتفاء به لمن يرغب في مساندة الحملة دون تحرير نص حول الموضوع

ثالثا التفكير المشترك في صيغة لإعلام إخواننا في دول المغرب الكبير بالحملة ودعوتهم للإنضمام بأكبر عدد ممكن

رابعا تحديد عدد المشاركين في الحملة ولهذا الرجاء منهم ترك تعليق هنا على هذا البوست ليمكن إحتساب عددهم

خامسا تقديم كل إقتراحات أو معلومات أو رأي يمكن أن يساهم في إنجاح "يوم التدوين من أجل المغرب الكبير" وذلك من خلال التعليقات على نفس هذا البوست لكي يمكن لنا جمع الآراء والنقاش في مكان واحد

وللتذكير، تتمثل الحملة لتنظيم "يوم التدوين من أجل المغرب الكبير" في دعوة مفتوحة لكل المدونين المغاربة بالأساس وحتى العرب وغير العرب من أجل المشاركة يوم 1 جوان 2007 في دعوة جماعية لدول المغرب العربي لتجاوز الخلافات الظرفية التي تعيق حركة الوحدة والإندماج والقيام بخطوات عملية مشتركة ومشاريع تمهّد لإتحاد إقتصادي مغاربي نظرا لما في ذلك من خير للجميع، كما تؤكد هذه المبادرة على وقوف المدونين المشاركين فيها ضد الإرهاب السياسي التي يواجه المنطقة ونبذ العنف والتطرف بكل أنواعه، هذا إلى جانب تقديم ما يرونه من مقترحات وأفكار لتجاوز الوضع الراهن والتقدم نحو مستقبل أفضل للمغرب الكبير

هذه هي الفكرة وأنا في إنتظار مقترحاتكم

روابط :
الدعوة الأولى على مدونة العبدو لله
الدعوة الأولى على المدونة المغاربية

إستسهال فتاوى التحريم: مسؤولية من؟

برز في أواخر صيف سنة 2005 موقع باسم "الداعية أم أنس"
(www. umanas. netfirms)
مجهول المصدر و هو موقع خارج الخدمة حاليا. تبين في النهاية أن صاحب الموقع كان يختلق
فتاوي غريبة للغاية لسبيل الفكاهة كان من أكثرها رواجا تحريم شيخ مجهول (ذكر البعض أن اسمه "عبد الله النجدي" و هو بالمناسبة اسم مستعمل من قبل "ناطق إعلامي" باسم أحد التنظيمات الإرهابية في الخليج) للعب كرة القدم بالقواعد المعمول بها دوليا لأن ذلك "تشبه بالكفار" على حد قوله (اقترح مثلا اللعب ببدل النوم عوض الشورت و المريول نص يد). بلغ رواج هذه الفتوى عبر منتديات سلفية (أعني تحديدا بلفظ السلفية هنا التيار الديني المهيمن في المملكة السعودية أو ما يطلق عليه تجاوزا الوهابية) و أخرى غير سلفية الى الحد الذي أصبحت فيه مصدرا لخبر تناقلته صحف خليجية ذات مهنية عالية (مثل صحيفة الوطن السعودية). في النهاية اضطرت هذه الصحف لإصدار تكذيب لنص الفتوى و الاعتذار لقرائها. و تكرر هذا اللبس في حالات أخرى مشابهة. بالمناسبة هناك شكوك بأن المبادر بـتأسيس هذا الموقع هو إما أطراف "ليبرالية" أو أطراف شيعية. و تبدو لي الفرضية الثانية أكثر مصداقية في ظل تصاعد الصراع الطائفي في المنطفة بشكل عام (يوجد موقع شيعي تحديدا يستشهد بشكل مركز و غير طبيعي بموقع "أم أنس").المثير في الأمر أن هذه الفتاوى على غرابتها كانت تلقى رواجا داخل المنتديات و الأوساط السلفية بحيث كانت تحظى بالتصديق و الاهتمام. و هذا مؤشر في غاية الأهمية على أن هناك في الواقع شهية عالية للإفتاء الراديكالي يفسر في الواقع حالة الطوفان الراهنة للإفتاء.
يرتبط ذلك بظاهرة تعميم حق الإفتاء و انزياحه خارج مؤسسة مشيخة الفتوى (هذه المؤسسة الفتية في التاريخ الإسلامي على كل حال حيث لم تصبح شاملة لأغلب الأقطار سوى في مع القرن الخامس عشر). و يبلغ إنفلات وظيفة الإفتاء هذه السنات الأخيرة حالاته القصوى مع انتشاره في الفضائيات و حتى عبر مواقع في النت لشيوخ معروفين و لكن أيضا لآخرين مغمورين أو حتى غير معروفين تماما كما هو الحال في الموقع الآتي.و أصبح الإفتاء يتم بسهولة مثيرة منذ بداية التسعينات و وصل فعلا الى حالات هستيرية مثلما تم في المثال الجزائري أواسط التسعينات من خلال تكفير التنظيم الإرهابي الرئيسي (الجماعة الإسلامية المسلحة) الشعب الجزائري بأسره (بناء على فتوى لشيخ فلسطيني أردني معروف مقيم آنذاك في بريطانيا) و ما انجر على ذلك من مجازر لم من يعد في نهاية الأمر من الواضح من يقوم بها. و في حالة التنظيم الأخير كانت هناك ما يسمى بـ"الهيئة الشرعية" و التي كان عناصرها في أحسن الأحوال "شيوخ" في سن الثلاثين لا يمكن أن نطمئن بأي حال لخلفياتهم و مداركهم العقلية حتى ("أمراء" هذا التظيم الذين كانو بالكاد يفكون الخط و كانوا يعملون أعمال يدوية بسيطة قبل إلتحاقهم بهذا التنظيم و هذا أمر أساسي في تخيل كيفية تعيين أعضاء "الهيئة الشرعية"). و لم يكن من المستغرب في هذا الإطار أن يبادر هؤلاء الى إصدار فتاوى شديدة السطحية في نصيتها الى الحد الذي اصطدمت فيه حتى مع مصالحهم السياسية و هو ما تمظهر بانشقاقات كبيرة مع نهاية النسعينات (إندحار الجماعة إياها كان ناتج عن هذا المأزق التنظيري "الشرعي" و ما يعنيه من محدودية آفاق المسؤولين عنه من ضمن عوامل أخرى).و بمعنى آخر فإن الفتاوى المختلقة أو "المكذوبة" (حسب إصطلاح شيوخ السلفية) ليست في نهاية المطاف شديدة الإختلاف في منطقها و بنائها اللغوي و منهج "استدلالها الشرعي" عن فتاوى حقيقية موجودة و معلنة. و لهذا كان القائم (أو القائمون) على موقع "أم أنس" يخلطون بذكاء فتاوى حقيقية بأخرى مختلقة و هو ما يظهر بجلاء، إثر الإطلاع عليها، درجة التشابه المثيرة بينها جميعا. و من بين النقاط الأساسية المشتركة هي مسألة تحريم "التشبه بالكفار" حيث تبدو هذه النقطة أساسية في الحكم في قضايا تفصيلية عديدة. لنأخذ بعض الأمثلة المؤكدة على هذا المنهج لفتاوى صادرة عن شيوخ سلفيين رئيسيين في مواقعهم الرسمية على النت أو فتاوى موجودة عبر مواقع مؤسسات ذات طابع رسمي و مؤثرة مثل "الرئاسة العامة للبحوث العلمية و الإفتاء".

- تحريم تحريم اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء إلصاق أو وضع الأعلام و الشعارات على السيارات و غير ذلك تحت عنوان "التشبه بالكفار فيما هو خصائصهم"http://www.alifta.com/Fatawa/FatawaChapters.aspx?View=Page&PageID=10378&PageNo=1&BookID=3

- تحريم تحريم اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء إتخاذ شارات مثل شارات الطيارين "مشابهة للكفار":http://www.alifta.com/Fatawa/FatawaChapters.aspx?Type=Index3&IndexItemID=7616&SecItemHitID=8638&ind=7&indtype=1&View=Page&PageID=676&PageNo=1&BookID=1

-
تحريم الشيخ بن باز للتصفيق
http://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=mat&type=fatawa&id=54-

تحريم الشيخ العثيمين لتعلم اللغة الإنجليزية من قبل الناطقين بالعربيةhttp://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/ShowFatwa.php?Option=FatwaId&lang=A&Id=69919


- تحريم الشيخ بن باز لحلق اللحية
http://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=mat&type=fatawa&id=2021-

تحريم الشيخ بن باز لرعاية الآثار
http://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=mat&type=article&id=560

- تحريم الإقامة في بلد "يظهر فيه الكفر" حتى بهدف التجارة أو العملhttp://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=mat&type=fatawa&id=2166-

تحريم الشيخ العثيمين لباس ثوب الزفاف الأبيض "إذا كان فيه تشبه بالنصارى"http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_4768.shtml

- تحريم اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء للبس النساء البنطلون (السروال)http://www.alifta.com/Fatawa/FatawaChapters.aspx?View=Page&PageID=6422&PageNo=1&BookID=3

- تحريم اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء للباس الطلبة للباس التخرج "الروب"http://www.alifta.com/Fatawa/FatawaChapters.aspx?View=Page&PageID=9348&PageNo=1&BookID=3

-تحريم اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء فتح "محلات الكوافير" (الحجامة):http://www.alifta.com/Fatawa/FatawaChapters.aspx?View=Page&PageID=9347&PageNo=1&BookID=3

إن مجمل هذه الأمثلة يحيل على نقطة أساسية هي بمثابة المأزق لهذا "المنطق الشرعي" و هي أن أي شيئ لم يكن يقوم به المسلمون خلال حياة الرسول (صلعم) أي في النصف الأول للقرن السابع ميلادي هو في النهاية محرم خاصة إذا كان من يقوم به "الكفار". فغياب تحريمه لا يعني عدم ضرورة تحريمه. غيابه بالذات بغض النظر عن فائدته أو أهميته الإجتماعية الراهنة هو مدعاة لتحريمه. و على هذا الأساس فإن الفتوى "المكذوبة" حول كرة القدم المذكورة أعلاه منسجمة تماما في منطقها الشرعي مع الفتاوى "الضحيحة" المذكورة أعلاه.للإجابة على السؤال الأولي (من المسؤول عن استسهال فتاوى التحريم؟) يمكن تقديم الإجابات الأولية التالية:-مأسسة الإفتاء (عبر مؤسسة "شيخ الإسلام" و هو مسار بلغ أوجه مع الامبراطورية العثمانية) كان بالتأكيد له دور في إسباغ طابع إطلاقي على ممارسة لاطالما كانت ذات طابع فردي إجتهادي معزول عن سلطة الدولة (على الأقل حتى القرن الحادي عشر ميلادي عندما بدأت في إيران أولى مؤشرات "شيخ الإسلام"). حيث أن وضع طابع الدولة عليها منح للفتوى إمكانية الانزياح عن الحدود الاجتهادية البشرية و منحها طابعا شبه رباني (به تصبح "و الله أعلم" التي تختمها مجرد عبارة روتينية لا تعكس أهميتها الحقيقية و التي تذكرنا بنسبية "علم" واضع الفتوى).- المنهج الإطلاقي ذات المتباين حسب الشيوخ و المذاهب. و هنا يبدو المثال أعلاه نموذج جيد على كيفية إقامة معيير إطلاقية تنمط الفتوى حيث تجعلها فعلا ميكانيكيا معلوم النتائج و لكن في النهاية في مأزق حقيقي عند مطارحته على الممارسة العملية. و من هذه المدارس الإطلاقية تحديدا تظهر بسهولة ظاهرة "الشيوخ الشبان" أي الذين يفكون بالكاد الخط و ما يأتي بعد ذلك من "هيئات شرعية" تحدد تذهب بمنهج اعتاد الحسم في "الكوافير" و "الروب" الى مسائل مصيرية تقرر من له الحق في الحياة و من يجب أن يموت

كاتبة تونسية: علاقة بورقيبة بالإسلام نفعية

ما تزال شخصية الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة أول رئيس للبلاد ويوصف بأنه أبو الحداثة في تونس مثار جدل واهتمام من جانب الدارسين رغم مرور سبع سنوات على وفاته.

وتحاول الكاتبة التونسية آمال موسى في كتابها المعنون "بورقيبة والمسألة الدينية" أن تعيد النظر في علاقة بورقيبة بالدين وتبرز كيف تعامل الخطاب السياسي في تونس مع الدين نصا وعقيدة وسلوكا طيلة فترة حكمه.

واعتبرت موسى الخطاب السياسي عند بورقيبة لا ينطلق من مواقف دينية ثابتة، بل إن الموقف من المسألة الدينية قابل للتحول وللانقلاب عليه إن حتمت النفعية ذلك.

وتستدل موسى في كتابها بشهادة لرئيس الوزراء الأسبق محمد المزالي الذي اعتبر أن بورقيبة حاول توظيف الدين الإسلامي في المساواة في الإرث بين الرجال والنساء لكنه لم يفلح.

وخلصت الكاتبة إلى أن تعاطي بورقيبة مع الدين يتصف بالنفعية وبالأسلوب الانتقائي، واعتبرت أن مثل هذه الأوصاف تعني أن شروط تحقق الدولة العلمانية التي تفصل بين السلطة الروحية والسلطة السياسية غير متوفرة.

ويتضمن الكتاب الذي يقع في 235 صفحة 23 خطابا لبورقيبة مثلت المادة الرئيسية لتحليل المضمون، وانقسمت الخطب إلى ثلاثة أنواع، هي خطابات بورقيبة في مناسبات دينية وخطابات في مؤتمرات سياسية وأخرى في رحلاته خارج البلاد.

وسادت علاقة بورقيبة بالدين طيلة فترة حكمه للجمهورية التونسية (1956-1987) مد وجزر، حتى إن البعض اتهمه بالإلحاد وعداء الإسلام، بينما اعتبره آخرون أبرز الساسة العرب التحديثين وأن لا مشكله له مع الدين سوى أنه يريد فصله عن السياسة.

واستعانت آمال موسى بحوارات مع شخصيات سياسية عايشت بورقيبة على غرار رئيس الوزراء الأسبق محمد المزالي. كما قامت الباحثة بدراسة تحليلية لشخصية بورقيبة، وخلصت إلى أنه تأثر بشدة بشخصية كمال أتاتورك الذي أرسى الدولة التركية الحديثة العلمانية وكذلك القائد القرطاجني حنبعل.

توظيف الدين
ورأت في دعوة بورقيبة الشهيرة الناس في تونس للإفطار خلال أحد أشهر رمضان علامة بارزة لتوظيف الدين للسياسة، حين قال إن ذلك بمثابة الجهاد الأكبر في معركة التقدم التي تخوضها البلاد.


وكان بورقيبة قد دعا في بداية فترة السبعينيات التونسيين إلى الإفطار حينما اشتد الحر في فصل الصيف في مسعى لحثهم على مضاعفة الجهود في العمل ووصف ذلك بأنه جهاد في سبيل تقدم البلد.

واستشهد بورقيبة آنذاك بأن النبي محمدا (صلى الله عليه وسلم) رسول العمل والجهاد وأن الرسول أعطى الأولوية لشؤون الدولة عندما تكون بحاجة لمزيد من القوة.

وانتفض آنذاك العديد من التونسيين خاصة في مدينة القيروان على تلك الدعوة، واعتبروها مخالفة لشريعتهم الإسلامية واتهموه بأنه عدو للإسلام.

لكن موسى أشارت في كتابها أيضا إلى أن بورقيبة أخضع السياسي لما هو ديني أحيانا، مثل إظهار اهتمامه بالدين الإسلامي وفتح الجامعة التونسية للطلاب للتفقه في الدين بدافع المراوغة والمناورة والتكتيك السياسي حتى إنها عزت خطاب بورقيبة الإسلامي لظهور معارضة دينية قوية منذ بداية فترة السبعينيات.

ويوصف بورقيبة بأنه أبو تونس الحديثة، حيث كانت له الجرأة في إصدار أول مجلة للأحوال الشخصية في العالم العربي تقر منع تعدد الزوجات بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان استقلال تونس عن مستعمرتها السابقة فرنسا.


المصدر: رويترز

الأربعاء، ماي 09، 2007

الخطوة الأولى أحسن من مليون خطاب

الحرب العالمية الثانية قتلت 50 مليون بشر

أوروبا بعد 50 سنة توحّدت ونسات الحرب والأحقاد القديمة بين الدول الأعداء

و نحنا في المغرب العربي عندنا 50 مليون سنة ونحنا وخيّان وأحباب

عندنا 50 ألف سنة من التاريخ والحضارة والثقافة المشتركة

عندنا 50 مليار سبب باش نكونو متوحدين

واليوم، وبعد حوالي 50 سنة من الإستقلال لبلداننا الشقيقة والصديقة

ما عندناش شبكة قطارات مشتركة

ما عندناش طريق سيارة مشتركة

ما عندناش سياسة طاقة مشتركة

ما عندناش حتى مسابقة متاع عدو ريفي مشتركة

علاه؟ بالله فهمونا علاه؟

في الوقت اللي البلدان في العالم قاعدة تتخلّى على المفاهيم البالية متاع السيادة الوطنية المتعصبة وتخدم مع بعضها في إطار جهوي وإقليمي وقاري، نحنا في بلدان المغرب العربي مازلنا نحبو نفـتـفـتو الفتات ونشتـتو الشتات ونتعاركو على الصحراء الغربية، زعمة تابعة للمغرب وإلاّ للجزائر، زعمة نعملولها حكم ذاتي وإلاّ إستفتاء على الإستقلال؟

بالله موش عيب؟ تي هي صحراء يا رسول الله، أعطيوها حتى للجمال تسرح فيها، توة هاذي حكاية؟ تاقف الدنيا على طرف صحراء؟

موش لازم الإنسان يكون إختصاصي في علوم الإقتصاد باش يفهم قدّاش الإتحاد المغاربي هو فائدة كبيرة من الناحية الإقتصادية وينجم يعاون بصفة كبيرة في التقليص من الميزيريا السائدة والبطالة في بلداننا. حسب دراسة قام بها البنك الدولي في تونس والجزائر والمغرب، عدم التوحّد في إطار المغرب العربي قاعد يحرم في الدول المذكورة من ما بين 1 و2 بالمئة من النمو سنويّا، يعني في عوض نسبة 5 بالمئة اللي نعملو فيها في تونس تولّي 6 إذا كان موش سبعة بالمئة، وهالخسارة هاذي ، باش نسهلوها للناس الكل، تساوي حوالي عشرة آلاف موطن شغل قار سنويّا. ظاهرلي ماناش مستغنين عليهم...

المغرب العربي الموحد إقتصاديا على الأقل هو أكثر من ضرورة في الوقت الحاضر، وكيما أوروبا المتحدة بدات بعد الحرب العالمية الثانية بوحدة مابين فرنسا وألمانيا في ميدان ضيق هو الإتفاق على تكوين سلطة عليا لتنظيم قطاعات الحديد والفحم، المغرب العربي لازمو يبدا من مشاريع عملية من النوع هذا، النقل، الطاقة، الفلاحة، الكورة، الحشيش.. يا خويا شوفو منين تبداو، أما أبداو يرحم والديكم

هذا ما يجعلني نفكّر في حاجة يمكن تكون باهية برشة لو كان تلقى إقبال منكم إنتوما المدونين والقراء، علاش ما نقوموش بحملة في المدونات التونسية ندعو فيها إخواننا في المغرب العربي باش ينظمولنا في حملة تدوينية للمطالبة بخطوات جدية وعملية لتحقيق الإتحاد الفعلي ما بين دول المغرب العربي وتجاوز الخلافات السخيفة والعقد النفسية اللي واقفة في طريق المغرب العربي، على الأقل خلّي الناس اللي عندها سلطة القرار تعرف أن المسألة هاذي عليها إجماع شعبي في مختلف دول المنطقة، ولعلها الخطوة الأولى تكون من عند المدونين المغاربة مادامت السياسة فشلت لحد الآن في تجاوز مرحلة الخطابات والكلام الجميل

هذا مجرد إقتراح نتمنى أنو يلقى تجاوب من عند المدونين والمدونات التوانسة، يمكن التفكير في تحديد يوم من أجل المغرب العربي، كيما عملنا يوم التدوينة البيضاء وكان ناجح نسبيا. يمكن زادة وضع شعار للحملة نحطوه في مدوناتنا، حاسيلو الأمور هاذي نتفاهمو فيها كان تحبو من بعد.

أنا في إنتظار تجاوبكم مع المقترح، خاصة المدونين والمدونات اللي عندهم علاقات مع مدونين معروفين في الجزائر، المغرب، موريطانيا، وحتى ليبيا باش ينشرولنا الدعوة للوخيان في البلدان المغاربية.

هاذي مجرد فكرة جاتني وأنا نكتب في البوست هذا، ما نعرفش عاد آشنوة باش يكون رأيكم، وبارك الله فيكم على كل حال

الثلاثاء، ماي 08، 2007

أزمـــة السياسة بتونس

بقلم عبد الرؤوف العيادي



تحتاج التجربة السياسية في بلادنا التي قامت بعد الاستقلال سنة 1956 إلى تقييم يكشف عن أسباب الانحراف التي جعلتها تصاب بالضمور في مرحلة أولى ثمّ يأفل نجمها تقريبا فتصبح الروابط التنظيمية هي المحددّة في سلوك المنتمين أو المناضلين السابقين و يختزل العمل السياسي بعدئذ فيما هو شبيه بالطقوس التنظيميّة ( اجتماعات ، مؤتمرات ، كرنفالات الخ..) و إلى لعبة رهانها تنظيمي ينصب على توزيع الأدوار و المناصب داخله ، إنها لعبة تنطلق من التنظيم لتنتهي إليه في حركة دائرية تلتف على ذاتها بما يقود في آخر المطاف إلى انفصالها عن حركة المجتمع و التي كان المفروض أن يكون فاعلا و متفاعلا معها و مع ما تفرزه من تطلعات .

كيف تحوّل " التنظيم الحزب " إلى مصدر وحيد للسياسة بالتعريف عبر توجيهات القائد المنقذ المتبصر و حتى المتنبئ و وضع عليها علامة المقدس و المقدس طبعا لا يتطور مع الأوضاع

ثم كيف انزلق اليسار في طور أول ثم الاتجاه الإسلامي في طور ثان إلى مثل هذا المقدس - بما كرس لثقافة " السياسة " كحقيقة فلسفية أو دينية يؤخذ بها و ليس كبرامج إجرائية و مشاريع عمليّة مطروحة من قوى متعددّة لاختبار مدى قدرتها على إصلاح الواقع .

ما هي إذن الأسباب التي تجعل العمل السياسي يتـــحول من أهداف و برامج و أساليب نضال إلى سلوك تحكمه مصالح التنظيم و امتيازات القائمين عليه ثم كيف يتحول الهدف من خدمة المجتمع إلى خدمة التنظيم و لماذا يصبح تقدير قوّة التنظيم و إمكانات أجهزته المقياس في تحديد الأهداف السياسية و" تحكيم موازين القوى" التي هي بالأساس تنظيمية وفق رؤية توازن بين الأحزاب القائمة و كيف يصبح رجل الجهاز بديلا عن رجل السياسة بمعنى حامل المشروع و البرنامج ؟

كيف يتمّ الانتقال من عالم السياسة إلى عالم التنظيم ، من عالم الأفكار إلى عالم المراكز و المواقع بالأجهزة ؟ و كيف يصبح التنظيم ينتج المسوغات و الخطاب الأديولوجي الملفق بدل البناء الفكري المتماسك ؟

أحد المسؤولين السابقين بالحزب الدستوري الذي أبدل تسميته بعد انقلاب 7 نوفمبر 1987 ليصبح التجمع الدستوري روى تجربته مع المجموعة التي قادها أحمد المستيري سنة 1971 و التي انتهت برفضه الالتحاق بالتنظيم الذي أحدثه المستيري و رفاقه أواخر السبعينات قائلا وهو يتحدث لعدد من الزملاء المحامين : أجبته عن العرض " ما نبدّلش بورقيبة بأحمد المستيري " بهذه العبارة لخص موقفه الذي أصبح موضوعه " خيار بين شخص قائم على التنظيم و آخر أصبح قائما على مثيله "و ليست أفكاره و توجهاته السياسية ، الخيار أصبح إذن بين تنظيم و آخر و ليس بين برنامج سياسي و آخر .

في نفس السياق كان بورقيبة يقدّم خلافه مع صالح بن يوسف على أنه منافسه في زعامة الحزب و نيل المركز الأولّ به ، كان دائما يقول إن صالح بن يوسف لم يقبل بالرتبة الثانية إنه كان يريد المرتبة الأولى ! وهي القراءة التي روج لها طيلة فترة حكم بورقيبة .

و خلال تلك الفترة أصبح الولاء للحزب يساوي الولاء للوطن و الولاء للزعيم يساوي الولاء للحزب و أصبحت تونس تدعى بتونس البورقيبية في خطاب الحزب الاختزالي ، فالزعيم هو المركز الذي يدور حوله عناصر النظام المشكل من هياكل و أجهزة لها وظيفة مشتركة في ربط الرأس ببقية الجسم .

و ما جاء بتصريحات الطاهر بلخوجة وزير الداخلية السابق في عهد حكم بورقيبة بحلقات برنامج " شاهد على العصر " التي بثها تلفزيون الجزيرة خلال سنة 2002 يلخص تجربته في الولاء لشخص بورقيبة و تبرير تورطه في ممارسات قمعية حالت دون خلق هامش للحرية تنمو داخله حياة سياسية بانهماكه في بناء الأجهزة و التي كان يقصد بها استمرار النظام و تأمين بقائه .

و الحاصل من هذه التجربة أن نظام بورقيبة قد منع إقامة حياة سياسية و أصبحت السياسة حكرا على القائد المتبصر و محتكر الحكمة الرشيدة و ذلك بوسيلة القمع البوليسي و المحاكمات المتتالية و التي حالت دون نمو حياة سياسية تجعل من تراكم التجارب مادّة لتطوير الأفكار و أساليب تجسيمها على نحو يتفاعل مع حركة المجتمع و نحو مزيد من التحررّ و التطلع نحو الأفضل .

و في ظلّ نظام بورقيبة القائم على دكتاتورية " الحزب الدستوري " و ما فرضته من تقلّص المجال السياسي إلى حدّ الانعدام ، كانت المعارضة التي فرض عليها العمل خارج شرعيّة النظام تتصدى بالأساس إلى إعادة بناء الخلايا السريّة للتنظيم بعد تفكيكها من طرف آلة القمع البوليسي و ذلك بالأساس من منطلق التمايز الأديولوجي حتى إذا انتهت تجربة حكم بورقيبة بانقلاب 7 نوفمبر كان الرصيد السياسي للسلطة و المعارضة على حدّ السواء في مستواه الأدنى بما جعل الإخفاق في بناء نظام جديد على أساس من التعايش الديمقراطي غير ممكن الإنجاز فما كان يوحدّهما إنما هو التقييم السلبي لتجربة بورقيبة - كلّ من منطلقه - و لم يكن هناك برنامج سياسي ديمقراطي يشكل البديل الإيجابي الذي تجتمع حوله القوى الوطنية .

لذلك سرعان ما عاد الصراع بين السلطة و المعارضة ( ممثلة في مرحلة أولى في الحركة الإسلامية ) و ذلك في بعده التنظيمي ( أجهزة القمع للسلطة القائمة ضدّ خلايا حركة النهضة ) كما اكتسى إلى حدّ ما بعدا أديولوجيّا و لم تكسب المواجهة بعدا سياسيّا ، لذلك سرعان ما حسمت المعركة و بالأدوات التي أرادها النظام ( أدوات تنظيمية ، أجهزة متعددّة ) و الــتي كان يفوق فيها خصمه عددا و عدّة .

و لذلك عاد نظام بن علي إلى الوضع الذي كان فيه نظام بورقيبة في آخر عهده دون أن تسجل المعارضة كسبا سياسيّا - بل ولدّ غيابها حتى بصيغته التنظيمية فراغا جعل النظام قادرا على مدى أكــثر من عشرية - تحملّ تبعات أزمته دون مخاطر كبيرة .

و استمرّت تجربة حكم بن علي التي أعادت تفعيل دور الأجهزة القمعية من بوليس و لجان أحياء و غيرها و جعل من رئيس الدولة محور الأجهزة و الماسك بدواليبها بما شددّ في الطبيعة القمعية للنظام ، إذ بالنظر إلى فقدان رئيس الدولة للتجربة و الرصيد السياسي نزل بالحزب الدستوري ( الذي أصبح يطلق عليه التجمع ) إلى مستوى الأجهزة الواقعة تحت وصاية البوليس السياسي كما استعاد الإعلام دوره في تبليغ الولاء للسلطة و التنديد بخصومها .

و أصبح مضمون سياسة معارضة القصر هو الولاء و التأييد بعنوان " الوفاق " فيما شكل شلّ للوظيفة الطبيعية لتلك الأحزاب .

و طبيعي أن تكون بحكم تعطيل وظيفتها السياسية منشغلة بما هو تنظيمي فلا يكاد تاريخها خلال فترة حكم بن علي يخرج عن تنصيب قيادة و تغيير قيادة كلّ ذلك طبعا بترتيب مع القصر و لا وجود لإنتاج سياسي لديها يذكر سوى بعض المقالات الصحفية السطحية التي نالت من صورتها و أفقدتها كلّ مصداقية .

أما عن أسباب هذا الانحراف في تقديم ما هو تنظيمي على ما هو سياسي فهي تعود إلى حدّ كبير إلى المفهوم اللينيني للتنظيم الذي ساد بدول العالم الثالث وهو يسعى إلى فرض وصاية على كافة الشعب و بذلك يبررّ امتداداته بشكل يتحول فيه إلى جهاز ضخم تعمل آلياته وفق حركة ذاتية لها قوانينها الخاصّة و تخضع لإرادة المركز الذي يحتلّه القائد و الذي يصبح لا يرى مصلحة المجتمع إلاّ من خلال مصلحة التنظيم الخاصّة و فاعليته في تأطيره و استيعاب حركته .

و قد لا أبالغ إذا قلت أن هذا المفهوم التنظيمي كان ضمن ما هو مشترك في الثقافة السيــــاسية للسلطة القائمة ( التي أخذت بالشكل اللينيني المركزي للحزب ) و المعارضة بتعبيراتها اليسارية و القوميّة الإسلامية ، فالجميع كان ينوي بسط سلطته بواسطة تنظيم يغطي البلاد من أقصاها إلى أقصاها و يؤطر الشعب كافة بجميع فئاته و قطاعاته.

و فيما يتعلق بالسلطة فإن العمل بالتصورّ المركزي للتنظيم إنما كان خاضعا في تطوره إلى بنية النظام السياسي الذي جعل من البوليس السياسي ركيزته بإشراف مباشر من رئيس الدولة ( هذا بإقرار وزير الداخلية السابق الطاهر بلخوجة في حديثه لتلفزيون " الجزيرة بإحدى حلقات شاهد على العصر ) إذ مع اشتداد أزمة النظام يتحول الحزب ( التجمع ) إلى أحد الأجهزة الواقعة تحت إشراف البوليس السياسي.

و طبيعي أن يعيق هذا التصوّر بناء مؤسسات الدولة وفق المفهوم الديمقراطي الذي يجعل النظام السياسي مقيّدا بالقانون - الذي هو قانون الدولة - إذ ما عشناه و ما نعيشه اليوم هو تحويل القانون إلى أداة بيد النظام يتلاعب به تنقيحا و تجاوزا و لم يكن في يوم ما ضابطا لممارساته - لذلك كان بورقيبة ثم اليوم بن علي يرفضان مبدأ التداول على السلطة ، فالدولة مطلوب استمرارها و لكن ليس عبر مؤسساتها و قوانينها و لكن عبر بقاء رئيسها قائما على أمورها مدى الحياة .

أمّا القانون فيستعاض به بالتعليمات و المناشير التي كسبت من الفاعلية ما لم يكسبه القانون .

و في ظلّ هذه البنية للنظام السياسي القائم على مركزية حكم الفرد و تسلطه فإنه يصبح من سخف القول الحديث عن إمكانية قبوله بوجود معارضة سياسيّة مستقلّة.

لقد اتضح من خلال الأنموذج التنظيمي المركزي الرائج منذ خمسين سنة و كذلك من خلال بنية النظام الأمني أن ما يوحدهما هو فكرة الوصاية ، وصاية القائد الرئيس الذي تختزل في شخصه السياسة و التنظيم و الفكر .

إن ما هو مطروح على البديل الديمقراطي هو استيعاب المفاهيم و التصورّات التي قادت إلى أزمة سياسيّة بتونس في مقابل تضخم ما هو تنظيمي و العمل من أجل الأخذ بتصورّات و مفاهيم بديلة تسمح بتطوير الإنتاج السياسي و تحريره من قيود التنظيم و ما يفرضه من حاجيات مرتبطة بالدور الموكول للمركز به الذي يحتلّه القائد - الرئيس .

إننا بحاجة إلى ثقافة سياسيّة جديدة بديلة تقدّم الفكرة على الفرد و السياسة على التنظيم .







كنا تساءلنا في الورقة الأولى التي تناولت أزمة السياسة بتونس عن الأسباب التي آلت في بلادنا إلى انعدام حياة سياسيّة ، و حاولنا من خلال تحليل العلاقة التي قامت بين ما هو تنظيمي و ما هو سياسي شرح كيف أن التنظيم عبر الشكل المركزي الذي كرس لدى كلّ من السلطة و المعارضة على حدّ السواء أصبح ينزع إلى الاستقلال عما هو سياسي ، ليعمل من أجل حاجات و مصالح خاصّة به تؤمن بقاءه و بقاء مركزه ( قائد التنظيم - الحزب ) و تقلص بذلك الفضاء السياسي إلى حدّ الانعدام بعد أن أصبحت الأجهزة الأمنية المختصّة تحت إشراف رئيس الدولة تدير العلاقات بين التنظيمات و الأحزاب السيـاسية و توجهها وفق إرادته في المحافظة على التوازنات التي تؤمن بقاءه بكرسي السلطة .



و في جانب المعارضة لا تختلف الصورة كثيرا عمّا سبق وصفه من حال السلطة - إذ أصبحت حياة التنظيم خاضعة لمنطق البقاء كهياكل و بنى تنظيمية ممركزة في شكلها حول شخص " الأمين العام " و هذا مرتبط بالمحافظة على بعض التوازنات داخلها و تجاوبا مع هذه الحاجة يتمّ معالجة التناقضات و التي تتحولّ أحيانا إلى مواجهة بينه و بين السلطة و بينه و بـــــين أتباعه داخل التنظيم ( انقسامات ، صراعات داخلية ).





و في هذه الورقة نتناول المظهر الثاني من أزمة السياسة بتونس من خلال البحث في العلاقة بين الأديولوجيا و السياسة و ما يمكن تسجيله كملاحظة أولية هو الخلط الحاصل في ذهن العديد من المعارضين بين ما هو سياسي و ما هو أديولوجي ، إذ يذهب البعض إلى الاعتقاد أن وفرة الكتابات و بعض المقالات التحليلية الصادرة خاصّة عن رموز المعارضة تشكل رصيدا سياسيّا في حين أن تحليل مضمونها يجعل المرء يقف على حقيقة مغايرة وهي طغيان المقاربة الأديولوجية للمسائل السياسية .

و طالما لم يقع الوعي بهذا القصور السياسي فإن المعارضة سوف لن تكون في وضع يسمح لها بتجاوز الأزمة التي تردّت فيها نتيجة هذا الخلط .

و حتى نفهم ظاهرة تضخم الأديولوجيا على حساب السياسة لدى المعارضة لابدّ من تحليل تطورّ أديولوجيا النظام وتحليل مقولاتها في عهد حكم بورقيبة و في العهد الحالي باعتبار أنها تشكل الإطار الذي يتفاعل داخله التيارات الأديولوجية المعارضة .





· من الأديولوجيا الوطنية إلى الأديولوجيا الأمنية أو الفراغ الأديولوجي :



قامت الحركة الوطنية في جانبها الأديولوجي على مقولات " الــــــوطنية و الاستقـلال و التحررّ الوطني " و بقيام سلطة حزب بورقيبة سنة 1956 استمرّ الترويج لهذه المقولات في طور أولّ استمرّ إلى جلاء القوات الفرنسية المحتلّة عن بنزرت سنة 1964 ثمّ تخلى النظام عن المقولات الوطنية التي استعيض عنها بمقولات " التعاون المثمر " مع المستعمر السابق و تمّ استبعاد المقولات السياسية التي أصبحت تختزل في شعار " الوحدة القومية " حول القائد و تمّ الاستعاضة بها بمقولات اقتصادية " الخروج من التخلف " و " اللحاق بركب الأمم المتحضرة" بما يؤكدّ إرادة السلطة في طي صفحة السياسة التي انتهت بتحقيق الاستقلال الوطني .

على أن توالي الأحداث بداية من 1965 بحصول المواجهة بين السلطة و المركزية النقابية ( الاتحاد العام التونسي للشغل ) بعد قرارها بعث شعب مهنية داخل المؤسسات الاقتصادية ، ثم بيــنها و بين الطلبة بالجامعة ( أين ظهرت المعارضة في شكل تيارات أديولوجية ) ثم بينها و بين المركزية النقابية ثانيــة ( أحداث 1978 ) إضافة إلى ما طرأ من أزمات في العلاقات مع ليبيا سرعان ما جعل النظام يجعل من أولـوياته هاجس " الأمن و الاستقرار " و قد ترجم ذلك في خطابه من خلال مـقولات " الاستقرار و الاستمرار " و " مناعة تــــونس " و أصبحت بذلك أديولوجيا النظام تقوم بدور وظيفي في تبرير القمع بتكامل مع دور أجهزة البوليس في تصوير كلّ معارضة باعتبارها فئة خارجة عن الإجماع الوطني تشكل تيارات هدّامة تحركها أيادي خارجية تستهدف تقويض أركان النظام القائم و سلطة رئيسه .



إن بنية النظام بما تميزت به من أديولوجيا أمنيّة خلّـفت فراغا أديولوجيا ، فتح الباب على مصراعيه للتيارات الأديولوجية التي ازدهرت سوقها خاصّة بالوسط الطلابي و التلمذي - إلى حدّ ما - و تحولت الجامعة أواسط الستينات إلى معقل المعارضة التي تنتدب كوادرها أساسا من طلبة الجامعات .



· خطّة النظام في مواجهة الزخم الأديولوجي :



لم يكن لنظام بورقيبة و لا نظام بن علي بما تميز به من فراغ أديولوجي قادرين على التصدّي للتيّارات الأديولوجية المعارضة التي اكتسحت جماهير الطـــلبة و جزئيا بعض القطاعات الأخرى من تلامذة و عمّال و نقابيين إلاّ باعتماد القمع في التعامل معها و باللجوء إلى جهازي البوليس و القضاء الذين يقعان تحت وصايتهما إضافة إلاّ فرض رقابة شديدة على الصحافة و الثقافة - بداية من العروض السينمائية و المسرحية و معرض الكتاب - و ذلك قصد مقاومة رواج مقولات الخطاب الأديولوجي لتيارات المعارضة .

و لم يقف الأمر عند هذا الحدّ بل تجاوزه لتتحولّ الخيارات في التعليم و التربية أداة لمقاومة أديولوجيا المعارضة .

فقد عمدت السلطة في عهد بورقيبة ثم في عهد بن علي إلى مراجعة البرامج التعليمية التربوية تحت شعار " إصلاح التعليم " و كان ما عرف ببرنامج مزالي الذي طرح باسم النظام في بداية السبعينات معالجة ما أسماه " التخمة الأديولوجية " و ذلك عبر مراجعة برامج التعليم خاصّة في مادّة الفلسفة بإلغاء الدروس الخاصّة بالأفكار الاشتراكية ، في حين تمت محاولة إحياء التعليم الزيتوني و بعث كتابة دولة خاصة به سميّ على رأسها محمود شرشور.



و في ذات السياق أي التصدي للأديـــــولوجيا التـي يروج لها التيار الديني ( الاتجاه الإسلامي ) جاء برنامج " إصلاح التعليم " للوزير السابق محمد الشرفي الذي وُصف بالبرنامج الاستئصالي أو " تجفيف المنابع " و بدا هذا البرنامج في ظلّ انطلاق حملة قمعية واسعة على الحركة الإسلامية جزءا من صراع أديولوجي خاضه أحد رموز اليسار سابقا بالوكالة عن النظام .



· انشغال تيارات المعارضة بالصرّاع الأديولوجي :



و على خلفية الفراغ الأديولوجي الذي ميز بنية النظام البوليسي بتونس و قصور مقولات خطابه عن تعبئة الجماهير و طرح المشاريع الكبرى التي تجعل الشباب خاصّة ينخرط فيها كانت المـــعارضة تنتعش من تيّارات فـــــــكرية و أديـــولوجيات لها امتداداتها خارج الوطن توفرّ لها الأدبيات و المؤلفــات ( شيوعية - إسلامية حسب الظرف الدولي ) في وضع مريح إلى حدّ ما مقارنة بوضع السلطة جعلها تشعر بالرجحان في هذا الصرّاع .

و بتوسع مجال تأثيرها الأديولوجي على إعداد و حتى قطاعات متزايدة من الجماهير كانت تتصرف و كأن المعركة بينها و بين النظام من جهة و بين خصومها الأديولوجيين من جهة أخرى هي معركة أديولوجية بالأساس وهو ما حجب عنها الأفق السياسي الذي لم تتقدم نحوه و بقيت بذلك السلطة في موقع يسمح لها بحسم الصراع لفائدتها عبر الوسائل القمعية و جعله لا يتعدى نطاق الأديولوجيا دون السياسة .

و لأن المقولات الأديولوجية تتحول في نظر المروجين لها حقائق مطلقة فإنها تجعلهم يندفعون إلى مصارعة خصومهم من القائلين بمقولات مغايرة و استنزاف الوقت و الجهد في صراع المفاهيم و التصوّرات و ذلك حتى صلب التيّار الأديولوجي الواحد الذي يتفرع إلى حركات متمايزة منشقة و مختلفة في شأن بعض التـــصورّات و الطروحات ( اشـتراكية ديمقراطية و اشتراكية علميّة و شيوعية ، قومــــيون و بعثيون إخوان حزب التحرير التفكير و الهجرة ) و جماعات أخرى عديدة .



كما أن الدوغمائية أو اليقينية تجعل تلك التيّارات تطمح في توحيد أفـراد الشعب و فئاته على أفكاره و بالتالي تصبح في تصورها الأديولوجيا و السياسة شيئا واحدا ، فالتجانس الأديولوجي يصبح طريقا للتوحدّ السياسي و بذلك تعالج الإشكاليات السياسية نهائيا و صبرة واحدة !



· البحث عن المكاسب " الأديولوجية " :



و يمكن القول أنه و على مدى ثلاثين سنة أو أكثر بقليل لم تتخط تيّارات المعارضة بتونس الطرح الأديولوجي و ذلك في علاقة سواء مع السلطة أو فيما بينهما ، حتى أن الصراع بينهما أصبح رهانه كسب مواقع داخل المنظومات الأديولوجية المختلفة ، فالماركسيون العرب أصبحوا يقولون بالنضال من أجل تحقيق الوحدة العربية مما أوّله القوميون على أنه كسب لهم في حين اعتبره الماركسيون سقوط أي مبررّ لوجود القوميين كتيّار مستقلّ مستقبلا ، و كذلك الشأن بالنسبة لبعض اليساريين الذين قبلوا بجعل مسألة الدفاع عن الهوية إحدى المقولات التي أدمجوها بخطابهم ، فقد اعتبرهم بعض الإسلاميين يسارا مناضلا من أجل تحرير الأمّة .



· التقييم الأديولوجي و حدوده :



و هكذا جعلت المعارضة من " الفتوحات " الأديولوجية هدفا لها استغرق النصيب الأكبر من جهدها و طاقاتها .

كما أن النزاع بين فصائل المعارضة كثيرا ما يدور بوسيلة التقييم الأديولوجي باللجوء إلى الأوصاف و التصنيف كالرجعية و الظلامية و العلمانية الألحادية الخ..

و حيال السلطة أيضا لم يكن التقييم يختلف لدى المعارضة في طبيعة خلفيته التي كانت هي أيضا أديولوجية إذ قبل شق منها التحالف مع النظام لضرب شق آخر من منطلق أديولوجي كذلك عول النظام على كسب هذا الشق ليس بتقديم تنازلات سياسية و إنما " أديولوجية " من صنف اعتماد رؤية الهلال في تحديد بداية رمضان ، و بث آذان الصلاة عبر أمواج الإذاعة .

لم يكن إذن طرح المعارضة يقوم على تحقيق مهام المرحلة أو الظرف وفق خطّة سياسية تحددّ المشترك من الأهداف التي تفرض تغييرا حقيقيّا غير قابل للارتكاس في طبيعة النظام البوليسي و بنيته القمعيّة .

لذلك كان سهلا على نظام بن علي و بعد فترة وجيزة أوهم فيها الجميع بـــأن " تغييرا سيحصل " العودة إلى إدارة شؤون بالبلاد بواسطة البوليس السياسي و لم يكن بإمكان المعارضة التصدّي له بل و بعد قضائه على وجودها التنـــظيمي و محاكمة أتباع أكبر فصيل فيها ( حركة النهضة ) طوى نهائيا صفحة " التغيير " الذي بدا كخدعة لم يكن للمعارضة الأدوات السياسية الضرورية لمنع حصولها لتبدأ مرحلة جديدة كانت المبادرة فيها لبن علي و أجهزته التي يشكل البوليس السياسي نواتها لينفرد بكلّ تنظيم أو شخصية " غير منسجمة " في جولات اختار لها توقيتها ليمارس عليها قمعا شديدا و مستمرّا سعى بواسطته إلى تدمير أي أثر لحياة سياسية أو حتى جمعياتية حرة بالبلاد حتى تحوّل الخوف من قمع البوليس هو الذي يحكم و إلى حدّ بعيد علاقة المجموعات بمختلف أصنافها أو الأفراد بالنظام القائم .



و تبقى الأسئلة مطروحة اليوم على النخبة بمختلف أطيافها الأديولوجية : وهي كيف نبني نظاما سياسيّا على أنقاض نظام بوليسي امـــتدّ عمره حوالي خمسين عاما ؟ كيف نجعل العلاقة بين التونسي و النظام علاقة سياسيّة و ليست يحكمها الخوف من بوليسه ؟ كيف يصبح التونسي مواطنا يمارس حقوقه و يختار نظام الحكم في بلاده ؟ الآن و قد وقفنا على قصور الطرح التنظيمي ثم الطرح الأديولوجي كيف يكون الطرح السياسي ؟

· السياسة و المحظور :

لم يكن بورقيبة يتحرج من القول بأن السياسة هي اختصاصه المطلق دون سـواه و أن الخوض فيها يعدّ من المحظورات طالما بقي على قيد الحياة، و هذا كان مضمون جوابه تحديدا في خطاب ألقاه سنة 1971 جوابا على تصريح أدلى به وزيره السابق أحمد المستيري إلى صحيفة " لوفيقارو " الفرنسية إثر انعقاد مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري بالمنستير ، أشار فيه إلى وجود خلاف أديــولوجي و سياسي مع شق الهادي نويرة الذي تدخل بورقيبة لفرضه في المناصب القيادية للحزب بالرغم من هزيمته في انتخابات اللجنة المركزية ، بورقيبة تساءل بصيغة انـــكارية : " أتوجد خلافات سياسيـــة و أيديولوجية ولست أدري ماذا و أنا بقيد الحياة ؟ "[1][1] [2]



أحمد المستيري ذاته الذي أسس فيما بعد صحبة نفر من المثقفين حركة الديمقراطيين الاشتراكيين سنة 1978 قررّ الانسحاب من الحياة السياسية و تخلى عن رئاسة الحركة بعيد انقلاب 07 / 11 / 1987 بعد أن أدرك أن السياسة لم تسقط من قائمة المحظورات حتى في ظلّ " العهد الجديد ".



و إذا كان بورقيبة ينطلق من تصوير دوره في حصول البلاد على استقلالها على أنه انجازا فرديّا و شخصيا و صفقة فاز بها دون سواه أكسبته الشرعية التاريخية التي تحرّم في نظره وجود منافس له ما بقي حيّا فإن تحريم السياسة من طرف بن علي مردّه على الأرجح عدم قدرته على المنافسة السياسية وهو الذي لم يسجل في رصيده أي تجربة سياسية سابقة إذ لم يكن له انتماء حزبي بقدر ما كان رجل الأجهزة القمعية التي تعـاظم دورها مع اشتداد أزمة النظام و أتت في النهاية على سلطة بورقيبة في انقلاب 07 / 11 / 1987 .

و قبل الخوض في الإشكاليات التي طرحتها التجربة السياسية بتونس نرى أنه من المفيد توضيح مفهومنا للسياسة .



· في مفهوم السياسة :

السياسة فعل في شبكة العلاقات التي تقيمها السلطة القائمة مع مختلف الكيانات السياسية أفرادا كانت أم جماعات داخليّا و خارجيّا ( دول ، أحزاب ، منظمات ، هيئات ، مؤسسات ، مواطن الخ..) يرمي إلى الإبقاء عليها ( وهو هدف السلطة ) أو تعـديلها أو تغييرها ( هدف العارضة ) و هذه العلاقات تسير وفق أطر و قواعد ( قوانين ، معاهدات ، خيارات ثابتة نسبيّا ) تحكمها رؤى و تصورّات قد تكون غير مطابقة مع ما يرّوج له بالخطاب السيّاسي .

و تتخذ هذه الشبكة من العلاقات في الواقع شكلا مميزا يضفي الخصائص و الطبيعة التي تعطي الوصف لنظام الحكم ( ديمقراطي ، دكتاتوري ، أو توقراطي استعماري ، عنصري الخ..) .

و يختلف الطرح السياسي عن الطرح الأديولوجي من وجه أن السياسي و إن انطلق من رؤى و تصورات إلاّ أنها تفتح مباشرة على ما هو عملي و إجرائي قصد الفعل في الأطر و القواعد التي تحكم العلاقة بين السلطة و الأطراف الأخرى و تغيير أنماطها و تعديل أوضاعها في حين أن الطرح الأديولوجي ينزع إلى المعالجة النظرية لإشكاليات عقائدية بالأساس .

لذلك و إن ينطلق عمل السياسي من تقييم الممارسات و الإجراءات التي تشكلّ مضمون الحياة السياسية فإنه يستخرج منها الثوابت التي تتـــأسس منها الرؤى و التصورّات العامّة و التي تعطي الوصف المميز للنظام السياسي أو هويته .

و سنعتمد فيما يلي منهجا يحاول كشف الرؤى و التصورات التي حكمت العلاقات بين السلطة و القوى الغربية من جهة و السلطة و المواطن من جهة أخرى عبر تحــليل الأطر و القواعد التي وضعت لتحددّ مسارها .



الفصل الأوّل : في العلاقة بين النظام السياسي بتونس و الدولّ الغربيّة



· نمط العلاقة القائمة بين النظام السياسي بتونس و الدول الغربية الحليفة :

قد يسأل البعض لماذا آثرنا أن نبدأ بتناول هذه العلاقة و الجواب واضح وهو أن النظام السياسي في تونس لم ينبثق سنة 1955 من رحم المجتمع بقدر ما كان و إلى حدّ كبير عبارة عن كائن خارجي ( Un Corps exogène )تمّ زرعه بجسم المجتمع بإرادة مزدوجة غربيّة خارجيّة و وطنيّة محليّة ( بورقيبة و شق من قيادة الحزب الحرّ الدستوري ) ممّا جعل هذا الوصف يحددّ طبيعة العلاقة بين السـلطـــة و المجتمع .

- لقاء بورقيبة / منداس فرانس : أيّ مفهوم حكم قيام النظام الجديد ؟

جاء في رواية بورقيبة للحوار الذي دار بينه و بين منداس فرنس رئيس الحكومة الفرنسية خلال اللقاء الذي جمع بينهما سنة 1954 أن الوزير الأولّ الفرنسي خاطبه قائلا : " إن فرنسا وضــعت ثقتها فيك " فأجابه بورقيبة " أرجو ألاّ تنـدم على ذلك J'espère qu'elle ne le regrettera pas "

فهذه التزكية من المستعمر السابق لزعيم سياسي لم يكن وقتذاك قد تقلدّ مسؤولية سياسية بالدولة التونسية تعبرّ عن عدم تخلي السلطة الاستعمارية عن مفهوم الوصاية الذي قام عيها نظام الحماية بتونس و ذلك عبر التأسيس لشرعية دولية خارجية تمهدّ للشرعية الداخلية الوطنية و هذا الواقع جعل الزعيم المرشح لتسلم مقاليد السلطة الجديدة يشعر أنه يجمع بين شرعية وطنية و شرعية دولية ينفرد بها بما هيأ الشروط الموضوعية لبناء سلطة لا حدود لها تتــمحور و إلى حدّ بعيد حول شخصه .

كما لابدّ من التذكير بالظرف الدولي الذي قام فيه نظام الاستقلال بتونس و الذي كانت تحكمه الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفياتي و الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدّة الأمريكية ، و سعي كلّ منهما لاصطفاف الدول الحائزة حديثا على استقلالها إلى جانبه في هذه المواجهة ، وهو ما تولدّت عنه حركة من الانقلابات و الانقلابات المضادّة في دول العالم الثالث كان فيها لأجهزة المخابرات للدولتين العظميين الدور الكبير .

حتى أن عديد الأنظمة السياسية الحديثة فيما أصبح يطلق عليه بالعالم الثالث أصبحت ترى في الدعم و السند الخارجي بديلا لدعم القوى الوطنية الداخلية التي تقلص دورها إلى الحدود الدنيا في نظر السلطة الجديدة التي أصبحت تتعامل معها بكثير من الاستعلاء و فرضت عليها لعبة الولاء المطلق بما نال من مصداقيتها شيئا فشيئا ؛ أمّا من رفض منها الدور المتذيّل فمصيره القـــــمع و الإقصاء[2][2] [3] .

لذلك كان الظرف يسمح للزعيم بأن يتعلل بوجود الخطر الشيـــوعي الخارجي تارة و خطر التيّار القومي العربي تارة أخرى لإقامة سلطة دكتاتورية تقصي كلّ معــارضة و تمنع قيام أي منافسة بين حزبه و غيره من المعارضين .

و بدا خلال تلك الحقبة أن الدعم الخارجي هو العنصر الأكثر فاعلية و حسما في قيام الأنظمة بالعالم الثالث و بقائها و التي انخرطت و إلى حدود كبيرة في لعبة التوازن الاستراتيجي للمعسكرين الرأسمالي و الشيوعي آنذاك .

و هكذا تشكّل نمط العلاقة مع الدول الغـربية ( فرنسا و الولايات المتحدّة الأمريكية أساسا ) من مفاهيم هي مزيج من الوصاية الاستعمـارية و الاصطفاف ( أو التحالف ) المرتبط بمفاهيم الحرب الباردة وهو ما جعل النظام السياسي يقوم على شرعية دوليّة تجعله و إلى حدّ ما يشعر بأنه في غنى عن الشرعية الوطنية التي استعيض بها بما أطلق عليه " بالشرعيّة التاريخية " .

و بقي الاختلال في وضع العلاقة بين ما هو دولي و ما هو وطني قائما في عهد حكم بن علي و إلى اليوم وهو ما يعدّ إحدى ركائز النظام الدكتاتوري الذي يتعين معالجته مع الطرف الغربي الذي حان الوقت لتحميله مسؤولياته أمام الرأي العام جرّاء سياسته الخارجية التي تدعم النظام الدكتاتوري على خلفية من التصورات البالية التي ارتبطت بمفاهيم الوصاية و التحـالف و المرتبطة بالنظام الاستعماري و بالحرب الباردة كما سبق أن بيّننا .

و لم يعد خافيا اليوم و إثر أحداث 09 / 11 / 2001 هذا التفاعل الذي تبديه الدكتاتورية مع سياسات الدول الغربية الحليفة و الذي يؤكدّ انخـراطها المباشر في " الحروب الدولية " لاستعمالها كذريعة في قمع القوى الوطنية حتى أصبحت الحاجة إلى تلك الحروب تمليها وظيفة أصبحت مرتبطة ببقاء النظام و مقترنة به.

فبعد الحرب الباردة تجنّد نظام بن علي يتجندّ يطلق عليه " الحرب على الإرهاب"، بل إنه يــحاول إقنـــــاع الرأي العام الدولي بأن قمعه الداخلي إنمـــا



· في مفهوم الأمن :

علينا البحث في أسباب ظاهرة تسيّس جهاز البوليس الذي أوكل إليه معالجة الملفات السياسية و التعاطي مع المعارضة بالقمع و التعقب في حين تمّ خنق الحياة السياسية داخل النظام و إفراغها من أي مضمون تعددي حقيقي .

ثم كيف نفهم تعامل النظام مع التيارات المعارضة منذ قيامه عبر الملفات الأمنية و ما هو دور الحلفاء الغربيين في تشخيص " الأخطار المشتركة " و تحديد مضمون الأمن ؟



قد لا نخطئ إذا ما قلنا أن الدور الأساسي في تشخيص " الأخطار المشتركة " إنما كان يرجع إلى الدول الحليفة ( فرنسا ، الولايات المتحدة الأمريكية ) " فالخطر " الذي كان يتصدّى له النظام لم يكن محليّا و إنما كان دائما له امتداداته الدوليّة .

فقد اقترن قمع النظام القوميين العرب طيلة الستينات و بداية السبعينات بمقاومة فرنسا و الدول الغربية بزعامة الولايات المتحّدة الأمريكية لدور عبد الناصـــر في دعم الثورة الجزائــــرية و محاولاته في إقامة الوحدة العربية و التصدي لامتداد النفوذ السوفياتي بالمنطقة العربية .

كما اقترن قمع التنظيمات الشيوعية بمحاربة الخطر الأحمر و أخيرا اقترن قمع التيّار الإسلامي بمحاربة الأصولية و الإرهاب من طرف القوى الدولية و التصدّي " لتصدير " الثورة الإيرانية .



و أصبحت بذلك " المعارضة للنظام " ملفا أمنيا يعالج بواسطة البوليس السيـاسي و تتولى السلطة إخراجه بصورة تتطابق مع هاجس الدول الحليفة في مقاومة إحدى الأخطار التي تشخصتها و ذلك لتلافي الضغوط بل و للاستفادة بالمعونات الماليّة و العينيّة التي تقررّها للنظام .

و من نتائج تضخم الوظيفة القمعية للنظام التي تميزت بالاستمرار و الشمــولية ( قمع التيّار اليوسفي ثم التيّار القومي ثمّ التيار الشيوعي ثم التيّار الإسلامي ) أن احتلّ جهاز البوليس السياسي الدور " الاستراتيجي " و اكتسح شيئا فشيئا الفضاء الرسمّي داخل نظام بورقيبة على حساب حزب السلطة ( الحزب الاشتراكي الدستوري ) ثمّ قاد الانقلاب على نظامه صبيحة يوم 07 / 11 / 1987 .



· تشديد الصبغة القمعية للتشريع الجنائي :

أمّا على المستوى التشريعي فإن القانون الجنائي التونسي يعتبر من اشدّ القوانين قمعا خاصّة فيما يتعلق بالجرائم السياسية ، بل اشتدّت صبغته القمعية مقارنة بما كان عليه زمن الاستعمار الفرنسي و نشير بالخصوص إلى قانون الجمعيات المؤرخ في 07 / 11 / 1959 و إلى التنقيحات التي أدخلت على المجلّة الجنائية بموجب الأمر المؤرخ في 10 / 01 / 1957 الذي نقح الفصول 60 إلى 62 من المجلّة الجنائية و الذي أضاف أصنافا أخرى من جرائم الاعتداء على أمن الدولة الخارجي و قانون الصحافة المــــــؤرخ في 28 / 4 / 1975 و إلى التنقيحات التي أدخلت على المجلّة الجنائية سنـــتي 1993 و 1995 في اتجاه الترفيع في العقوبات وعدم السماح للقاضي بالنزول بالعقاب إلى مـا دون النصف و وجوب أن يشفع العقاب الأصلي بعقوبة تكميلية لا تقلّ عن خمس سنوات مراقبة إدارية و التوسيع في مجال اختصاص القاضي الجنائي لينظر في الجرائم المرتكبة خارج الوطن الـــخ … ( الفصول 52 مكررّ 131 و 132 و 133 من المجلّة الجنائية ).



· جعل القضاء تحت الوصاية :

و على مستوى القضاء فإن تضخم الوظيفة الأمنية للنظام و ما ترتب عليه من تعاظم دور الجهاز البوليسي حال دون بناء قضاء مستقلّ إذ لجأ النظام إلى بعث المحاكم الاستثنائية ( المحكمة الشعبية ، المحكمة العسكرية ، المحكمة العليا ، محكمة أمن الدولة ) التي لا توفرّ ضمانات المحاكمة العادلة ، ثم و حتى بعد إلغاء محكمة أمن الدولة في عهد بن علي فقد تمّ الإبقاء على جهاز أمن الدولة الذي يمارس في الواقع وصاية فعلية على القضاء الذي لا يجرؤ على مخالفة الأوصاف القانونية التي يعطيها للوقــائع التي كثيرا ما يلفقها و لا حتى تقدير صحّة أعماله ( محاضر ، إجراءات الإيقاف ، الحجز الخ.. ) التي كثيرا ما تكون باطلة بسبب تدليس البيانات المضمنة بها أو بإكراه الموقوف على إمضائها الخ..

و بدا واضحا أن القضاء تحوّل إلى مجرّد جهاز أوكلت له مهام هي أقرب إلى الإخراج القضائي ضمن دورة قمعيّة ينهض البوليس السياسي بالدور الرئيسي فيها - إذ يتولى أعمال الإيقاف و البحث و تكييف الوقائع طبق التعليمات الصادرة له من وزارة العدل في طور أولّ ثم تستغرق المحاكمة الطور الثاني - يسترجع إثرها البوليس السياسي الإشراف على السجين داخل السجن وهو الطور الثالث ثمّ و بعد خروجه عبر تنفيذ الحكم التكميلي المتمثل في المراقبة الإدارية وهو الطور الرابع ، و هكذا يبدو القضاء رهين تنفيذ دورة قمعية متعددّة المراحل لا يتولّى إلاّ مرحلة أو طورا منها .

و ما يجدر التنبيه إليه هو أن وضع الدول الغربية لبعض آليات المراقبـــــة و المحاسبة على العمل التشريعي و القضائي مثلما هو حاصل اليوم من خلال اللجنة الأمميّة لمناهضة الإرهاب التي شكلت بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1373 إثر هجمات 11 سبتمبر 2001 التي يتعين على كلّ نــظام تقديــــم و بصورة دوريّة عرض تقييمي أمامها حول ما اتخذته من إجــراءات تشريعية و قضائية لمقاومة الإرهاب وهو ما دفع بالنظام إلى التأثير على مجرى بعض القضايا التي أحيلت على المحكمة العسكرية و إيجاد الرابط بينها و بين تنظيم القاعدة قصد إقناع الجهات الرسمية الغربية بأن له دورا حقيقيّا فــــي مقاومة " الإرهاب " .

إلاّ أن واقع القضاء " العاديّ " الجزائي منه و المدني ليس أقلّ سوءا بعد أن خولّت السلطة التنفيذية دور الإشراف و الوصاية على القضاء وهو ما نشأ عنه قضاء مواز " خارج عن الشرعية بكلّ المعايير " حسب ما أكدّه القاضي المختار اليحياوي في الرسالة المفتوحة إلى رئيس الدولة بتاريخ 06 / 7 / 2001 يضاف إلى ذلك استشراء الرشوة و الفساد داخل أجهزة البوليس و القضاء .

و يستروج ممّا سبق عرضه أن القمع الذي كان دائما مسلطا على تيّارات المعارضة الوطنية لم يكن فقط بسبب نزوع السلطة إلى الاستفراد بالحكم و رفض التداول عليه ، و إنما أيضا نتيجة الاستجابة إلى إرادة الدولّ الغربية في فرض تصوّرها للأمن و تشخيص الأخطار - من جانب واحد - بما ساهم عمليّا في تشديد الميزة القمعيّة لتشريع الجنائي الوطني و فقدان القضاء لاستقلاله كما تقدّم بيانه .

و كما أسلفنا الإشارة إليه فإن مفهوم الأمن ارتبط بمفهوم " التعاون " وهو كما أراده واضعوه تعبيرا عن المظهر الثاني من العلاقة بين النظام و الغرب و الذي استجاب لحاجة النظام من المساعدة الماليّة و الاقتصادية مقابل ما يقدّمه من خدمات أمنيّة لصالح الدوّل الغربيّة .



· تقييم نتائج " التعاون " :

على أن ما يتعيّن ملاحظته هو أن ذلك التعاون بما يوفره مـن موارد للنــظام و يساهم بقدر ما في ترسيخ ظاهرة الريع السياسي ( La rente Politique ) ذلك أن السلطة تحوّل النفوذ إلى مصدر إثراء و ذك عبر التصرّف في المساعدة الخارجية بواسطة القروض البنكية و تمكين البطانة و الموالين لها من حصتهم في تلك القروض كلّ حسب موقعه من السلطة و علاقته بالمتنفذين بها .

و هذا الوضع حال دون ظهور المؤسسة الاقتصادية بالمعنى المتعارف عليه بالغرب إذ يكون قيامها ليس على أساس المبادرة الخاصّة من الفاعلين الاقتصاديين و إنما هي في نشأتها إفراز لظاهرة سياسية بالأساس وهي تبقى نتيجة ذلك مرتبطة بالسلطة التي يطب منها من حين إلى آخر التدخّل قصد صرف مزيد القروض بواسطة الجهاز المصرفي حتى يكتب لها البقاء طالما أن بعثها لم يكن على اساس معايير الجدوى و المردوديّة .

و من خلال ما تقدّم عرضه يمكن القول بأن البنية القمعيّة لنظام تستمّد أحد أهّم أسبابها من نمط العلاقة التي أقامها الغرب معه بما يحتم مراجعة المفاهيم التي تحكمها و تدارس سبل تعديلها عبر التخلي عن مقايضة الأمن بالتعاون على مستوى الأنظمة دون التفات إلى نتائج ذلك على حريّة المواطن و حقوقه الأساسيّة الذي دفع و لازال يدفع ثمن تلك المقايضة .



الفصل الثاني : طبيعة علاقة السلطة بالمواطن



أسست السلطة " الوطنية " منذ قيامها علاقة تحكمها مفاهيم سلطويّة استعلائية تبررّ التسلط و استنقاص كرامة المواطن و عدم الإقرار له بالمواطنة الكاملة .

فالسلطة التي " حرّرته " من الاستعمار شرعت في تنفيذ ما تصورته مشروعا جديدا هو " تحريره من التخلف " و هذا التخلف هو في نظرها عميق و شامــل ( يتطلب اعتماد مخطط " للتنمية الشاملة " ) بــما يبررّ سياسيّا إخضاع المواطن و تحويله إلى مجردّ صوت للولاء و التأييد و شرع لإقامة نظام دكتاتوري عبر الترويج لفكرتين أساسيتين :

أوّلا : فكرة " الزعيم المحرّر " و " القائد " الملهم الذي لا يساوي ذكاءه أحد و لا يبلغ المرء مكانته في سلم الخصال السياسية من بعد نظر و حكمة و نبوءة فلتة دهره و فريد عصره الخ… لذلك فهو لا يقبل الدخول في منافسة مع غيره و إن أحدا تجرأ على مجردّ الإعلان عن نيّته في الترشح يستهدف إلى التهجمّ و التحقير ( مثلما حصل للسيّد الشاذلي زويتن زمن حكم بورقيبة ) أو إلى السجن مثلما حصل في ظلّ حكم بن علي لمن تجرأ على ترشــيح نفسه للانتخابات الرئاسية ( سنة 1994 ) بعد أن لفقت لهم تهم تتراوح بين الثلب ( الدكتور المنصف المرزوقي ) و التحيّــل و التدليــس ( الأستاذان عبد الرحمان الهاني و فيصل التريكي ) .

ثانيا : فكرة " عدم نضج الشعب " لممارسة حقوقه و حرياته .

لذلك و من منظور موضوعي فإن علاقة الوصاية التي كانت سبب رفض المستعمر و قيام حركة التحررّ تمّ الإبقاء عليها مع اختلاف " المبررّات " أو المشاريع المسّوغة لذلك .

و في الواقع فإن السلطة " الوطنية " عملت على الإبقاء على هذا الاختلال الفادح في العلاقة مع المواطن و لم تسع إلى تغييرها .

لذلك أشاعت مناخا من الخوف و الترهيب بواسطة أجهزة القمع بما يؤبدّ ذلك الاختلال .

و لمّا كانت السلطة تعتقد في قرارة نفسها أن سبب وجودها ليس صـوت الناخب و إنما هو بفعل ما تديره من أجهزة قمعية و ما تناله من ثقة الدوّل الغربيّة التي تقدّم إليها التمويل و الدعم ، حرصت على تأمين ولاء تلك الأجهزة و إخـلاصها و إرضاء الجهات الدوليّة المذكورة .

و حتى الانتخابات التي تتولى تنظيمها من حين إلى آخر فهي لا ينظر إليها باعتبارها ممارسة لحق المواطن بل هي من قبيل الإخراج المقصود به التظاهر بتطبيق القانون و المعّد للاستهلاك الخارجي .

و في ظلّ هذه العلاقة المختلّة بين السلطة و المواطن فإن أخشى ما يخشاه الماسكين بزمامها هو انتقالهم إلى وضع " المواطن " العاديّ و الذي يعلمون الكثير عن حقيقة وضعه من حيث الحقوق و الحريّات .

و لنا في تجربة بورقيبة عبرة لمن يعتبر فالجميع كان شاهدا على انتقال الزعــــيم و المجاهد الأكبر من أعلى هرم السلطة إلى " سجين " سياسي دون الإقرار له بتلك الصفة مثلما حصل زمن النظام الاستعماري الفرنسي و قضى عقوبة بالحبس لمدّة ثلاثة عشرة عاما ( أي حوالي ضعف ما قضاه زمن الاستعمار ) دون محاكمة .

إنه في الواقع حكم سلطة الأجهزة القمعيّة التي أقامها و دعم وجودها معتقدا أنها ستؤمن " الاستقــــــرار و الاستمرار " لنظامه ( وهو الشعار الذي يروج له في آخر عهده ) .

و يمكن تلخيص جوهر العلاقة بين السلطة و المواطن بأنها تقوم على شعور متبادل بالخوف و في اتجاهين اثنين :

- خوف " المواطن " من السلطة التي تقمعه و ترهبه طالما أنه ليس سببا في قيامها و لم يتحولّ بعد إلى صوت ينتخب حقيقة .

- يقابله خوف السلطة من أن تصبح يوما ما " مجردّ مواطن " إذ عندها لا تفقد الحصانة فقط بل جميع الضمانات بما فيها المحاكمة العادلة لذلك شاهدنا ظاهرة فرار الوزراء السابقين عندما عزلوا من مناصبهم و أصبحوا " مجردّ مواطنين " إلى الخــــارج و تحولّوا إلى لاجئين سياسيين بالأنظمة الديمقراطية الغربيّة .

و هنا يظهر وجه الاختلاف بين المسؤول السياسي بالنظام الدكتاتوري و شبيهه بالنظام الديمقراطي .

فالمسؤول ببلادنا عندما " يخسر موقعه بالسلطة يتدحرج وضعه إلى ما دون المواطنة حيث يقبع عامّة الشعب فيعظم في تصوّره " الخطب " و يجعل من بقائه بالسلطة قضية حياة أو موت .

في حين يحافظ المسؤول بالغرب بعد نهاية مدته النيابية على حقوقه و يبقى مواطنا مكفول الحقوق .



الفصل الثالث : التحديّات و المعيقات في بناء البديل الديمقراطي



يتضح ممّا تقدّم عرضه أن بناء البديل الديمقراطي يقتضي الأخذ بمفاهيم بديلة عن دور الدولة و وظيفتها و موقعها من المجتمع و القوى و التيّارات التي تنبثق منه ، كما يقتضي و على مستوى عملي إعداد برنامج إصلاحي يعالج الوضع البنيوي للدولة بما يحقق الشروط الموضوعية لإنجازه .



1 صراع المفاهيم :

من الخطأ الاعتقاد بأن التحول الديمقراطي يمكن إنجازه دون خوض صراع مفاهيم تجـلى معالم الرؤى التي كانت وراء قيام النظام الدكتاتوري بتونس وهي و كما شرحنا فيما تقدّم من هذا المقال عبارة عن مزيج من نظام الوصاية الاستعمارية الذي يضع نفسه فوق المجتمع و خارجه في آن واحد وهو أيضا نظام مقترن بفكرة " محاربة الأخطار " التي تشخصها الدول الغربية " الحليفة " بما حولّه إلى نظام بوليسي لا ينتهي من محاربة تيّار معارض إلاّ ليشرع في محاربة تيّار آخر .

كما أنه من الخطأ الاعتقاد بأن هذه المفاهيم كانت حكرا على السلطة و إنما شكلت في الواقع إرثا مشتركا للحركات السياسية بتونس إذ ظهرت بوادر هذه المفاهيم في تصورّات حركات " المعارضة " بالدعوة إلى إقامة بدائل هي أيضا تنطلق من فكرة تحرير المجتمع و تخليصه سواء من الاستغلال أو الهيمنة أو من النزعة القطرية للسلطة أو من علمانية الدولة الخ ...

إن فكرة الوصاية تقوم على نقيض فكرة المساواة بين المواطنين و تؤسس لعلاقة تسلطيّة يحتلّ فيها السياسي مكانة متعالية لا تتماشى مع مبدأ المساواة بينه و بين بقيّة التيارات السياسية أو بينه و بين المواطن بصورة عامّة .

لقد آن الأوان للتخلي عن جميع المبررّات التي تجعل الدولة جهازا خارج المجتمع يحمل لواء رسالة تحرير أفراده و انتزاع وكالة عنهم بواسطة قوّة أجهزة الدولة .

لقد أثبتت التجربة أن الفكر الوصائي أدّى إلى قمع النظام للمواطن الذي هو حسب تصوّر حملته مصاب بمرض اسمه حسب الأحوال تخلف أو عبوديّة أو فقر أو غيره من الانحرافات و أدّت إلى فشل المشروع فتحولّت الاشتراكية إلى " اشتراكية دون اشتراكيين " و " القومية " إلى " قومية دون قوميين" الخ…

و لابدّ من تسجيل فشل الحركات التي حملت مشاريع تحررّ جماعية طبقية أو وطنية بعد أن جعلت من التنظيمات و الأحزاب التي بعثتها البديل عن الطبقة الكادحة أو الشعب بما جعلها تنتهي إلى مأزق عالجته بالقمع بعد أن عزت أسباب الصدام بينها و بين الشعب إلى قوى خارجية و عملاء بالداخل إلى أن انهار النظام الحزبي القمعي الذي أقامته .



· في مفهوم النظام الديمقراطي :

إن الفكرة الديمقراطية البديلة تنطلق من مبدأ المساواة بين المواطنين و أن المواطن هو كائن حرّ لا تقوم الدولة بتحريره أو تخليصه و إنما تنظم ممارسته حريته و حقوقه ، و بالتالي لا مجال للوصاية أو التعالي عليه مهما كانت المبررّات الأيديولوجية .

و لابدّ من التنبيه أن مقاييس التحررّ المكرس اليوم لم تعد تقدر بالرجوع إلى أحوال أمّة كاملة أو طبقة و إنما إلى المواطن الفرد .

و من هذا المنطلق تتحولّ السلطة السياسية إلى أداة لتنظيم تعايش و تنافس القوى و التيارّات السياسية التي تنبثق من المجتمع وفق حركته الطبيعية دونما قمع أو تصدّ منها إلاّ في حدود القانون و بما يضمن العمل بقواعد التنافس السلمي .

و تتحولّ بذلك وظيفة الدولة في جانبها السياسي إلى وظيفة إجرائية تقتصر على التصرّف في قوى المجتمع بما يفسح المجال لها للعمل و اختبار شرعيتها عبر تنظيم انتخابات حقيقية إنه دور متواضع يتناسب مع فكرة المساواة و كفيل في الآن نفسه بتوفير الضمانات لعدم النيل منها و انتهاك القاعدة المتصلّة بها .

لذلك فإنه يجب التنبيه إلى خطورة الفكر الوصائي مهما كانت مشاربه و خلفياته العقائدية بل و يجب التحذير من سلوك ممن لا يعرف عنه انتماؤه إلى تيّار إيديولوجي وهو يوظف علاقاته ببعض الأوساط السياسية الغربيّة متوهما أن ذلك يكسبه صفة الخبير و " المحترف " في الديمقراطية يوزع الأوصاف على هذا دون ذلك بحثا في الواقع عن إقصاء خصومه .

كما يتعين مقاومة الفكر الوصائي للنظام و ما يروج له من أســـاطير التفوق و النبوغ الذي يتميز به من يوجد على رأسه بما يجعله وصيّــــا على الشعب " يرشده و يوجهه " و يقود مسيرته نحو النموّ و الرفاه و يقصي من لا يجاريه في مشاريعه و رؤاه .

إن مقاومة أفكار الوصاية و الإقصاء التي قامت عليها الثقافة السياسية للدكتاتورية و التي شملت إلى حدّ كبير أيضا بعض التيارات السياسية المعارضة و الترويج لأفكار المساواة و تأصيل دور الدولة و جعل السلطة تنبثق من المجتمع وفق تطوره الطبيعي تدير حركة قواه بما يمهّد لتأسيس نظام ديمقراطي تعدديّ حقيقي .



2 البرنامج العملي :

و كما أن النظام الدكتاتوري هو مفاهيم منحرفة و مضللة تـــــؤسس للتسلط و القمع فهو أيضا بني و أجهزة لا تتناسب لا في وظيفتها و لا في حجمها مع المجتمع و حاجياته .

لذلك فإنه مطروح على الحركة الديمقراطية الاجتماع قصد اتخاذ تدابــير عمليّة و إجرائية من شأنها تهيئة الشروط و إعداد الظروف لقيام البديل الديمقراطي .

و في هذا السياق نقترح بعض الإجراءات :

· مراجعة نمط العلاقة بين النظام و الدوّل الغربية و إنهاء العمل بنظام المقايضة بينهما الأمن مقابل المساعدات .

· إنهاء الاختلال في التوازن بين السلط و الحدّ من طغيان سلطة رئيس الدولة اللاّمحدودة .

· حلّ جهاز البوليس السياسي .

· تحرير ميثاق شرف للتعامل الديمقراطي بين التيارات الفصائل السياسية الوطنية ينبذ اللجوء إلى العنف اللفظي أو الماديّ هذا و إن التقيّد بمضمون هذا الميثاق سيكون اختبارا للقوى السياسيّة الوطنيّة استغناء عن قمع جهاز البوليس في تنظيم الحياة السياسيّة .

· إطلاق سراح المساجين السياسيين .

· إطلاق حريّة التعبير و الصحافة .

· تخلي النظام و حزبه عن العمل الخيري ليصبح من اختصاص المجتمع المدني المستقلّ .

· تأمين استقلال القضاء عبر تدابير عملية و رفع الوصاية عنه .

· اتخاذ تدابير تؤمن فصل الاقتصاد عن السياسة و إنهاء ظاهرة الريع السياسي .

· مراقبة استعمال المساعدة الخارجية و العمل دون توظيفها لمآرب سياسية حزبية أو فئوية .



هذه بعض الإجراءات التي من شأنها تهيئـة الظروف للانتقال نحو النظام الديمقراطي التعددي و يمكن تصورّ غيرها من الإجراءات و التفصيل فيها من طرف القوى الديمقراطية وهو ما يدعو إلى تنشيط الحوار بينها ضمن أطر متعددّة ( وسائل الإعلام ، ندوات ، انترنيت الخ… ) .

و نريد أن نؤكدّ في خاتمة هذا المقال أن البديل الديمقراطي لن يتحقق إلاّ متى تحولّ إلى قضية وطنيّة لدى جميع القوى السياسية بالساحة تسمو عن كلّ الحسابات الحزبية الضيقة و الطموحات الشخصية الخاصة و متى تمّ التخلي عن المعالجة التنظيمية أو الإيديولوجية للمسائل السياسية التي تتطلب علاجا على مستويين اثنين مستوى يتعلق بالمفاهيم المؤسسة للنظام الديمقراطي و ضرورة الأخذ بها و مصارعة مفاهيم نظام الوصاية و الإقصاء أي نشر ثقافة سياسيّة ديمقراطيّة و مستوى عملي إجرائي يهيئ لقيام النظام الديمقراطي عبر حلّ الـبنى و الأجهزة التي يقوم عليها النظام الدكتاتوري و إنهاء وجودها . و الله أعلم .












الأستاذ عبد الرؤوف العيادي

نائب رئيس المؤتمر من أجل الجمهورية






[1][1][2] كان بورقيبة يعتبر أن أي معارضة أو شكل احتجاج على سياسته هو مـن باب نكران الجميل و أن له دينا على الشعب بعد أن حررّه من المستعمر بل أكثر من ذلك حوله إلى أمة و قد كان عبارة عن " غبار من الأفراد " ( Poussière d'individus ) !



[2][2][3] في إطار هذه العلاقة تتنزل التحالفات و الصدامات المبكرّة التي حصلت بين السلطة الحديثة و الاتحاد العام التونسي للشغل .

كـــان في سياق بعد النظر و الإدراك المبكرّ للأخطار القادمة وهو يريد بذلك تبرير انحرافه و جرائمه في حق المواطن المسالم و الظهور بمظهر الشريك إلى جانب القوّة العظمى فـي سياسات و خيارات يعلم الجميع أن لا دور له في رسمها أو المساهمة فيها إلاّ كمنفذ لإرادتها طلبا لمزيد من الدعم في مواجهة تنامي المعارضة الداخلية و استفحال أزمته .

و لمزيد استيعاب هذه العلاقة بين الدكتاتورية المحليّة و الأنظمة الغربية الحلـيفة و التي أوجــــد لهــا إطارا مـفهــوميا أطلق عليه " الأمن و التعاون " La Sécurité et La Coopération نحاول تقييم ما أفرزه العمل بهذا الزوج من المفاهيم من واقع الدكتاتورية و الوقوف على أثاره السلبيّة